العمر؟ قال: رأيت المسيح بن مريم. فقال له المعتصم: هل وجدت في كتب الملاحم التي تكون عندكم أن مدينة عمّورية يفتحها أحد من المسلمين؟ قال: حيث كتبت الملاحم ما كان أحد من المسلمين وإنما رأيت في كتب الملاحم أنه لا يفتحها إلا أولاد الزنا. فقال المعتصم: الله أكبر عسكري كلهم الأغلب عليهم الأتراك والأتراك كلهم أولاد الزنا.» .
فقد تحول الراهب الواحد عند أبى مخنف إلى سبع مائة عند ابن العمراني ويحيى ابن معاذ ويحيى بن أكثم أبدلهم ابن العمراني بالمعتصم ليزيد استهواء القارئ وإلا فمن غير المقبول عقلا أن يرى راهب يعيش في زمن المعتصم- المسيح بن مريم وبينهما أكثر من 800 سنة. من كل هذا يمكننا أن نقول إن ابن العمراني قد كتب تاريخه هذا للعوام من الناس وسوقتها فضلا عن خواصها وإنه كان متأثرا، إن لم يكن مشاركا، بحلقات القصاص التي توسعت في عصره إلى درجة كبيرة مما اضطر معها ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ أن يكتب كتابه «القصاص والمذكرين» للتفريق بين القاص والواعظ والمذكر فقال: «إن عموم القصاص لا يتحرون الصواب ولا يحترزون من الخطأ لقلة علمهم وتقواهم» [1] . فمما لا ريب فيه أن ابن العمراني قد روى ما سمعه من أفواه العوام، وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب لأن ابن العمراني كان أمينا في نقل ما كان يدور على ألسنة العوام من الناس وهو بهذا حفظ لنا تفسيرهم لبعض الحوادث التاريخية التي رواها المؤرخون بشكل آخر، فالكتاب كتاب تاريخ «فولكاورى» وسياسى معا. وهو بعد هذا كتاب تاريخ وأدب وسياسة رواه مصنفه بأسلوب فصيح سلس فيه عذوبة وخلابة تقرب كل القرب من لغة متأدبي كتاب الدواوين وهو إلى ذلك ينقل لنا كثيرا من الألفاظ البغدادية الأصيلة التي ما تزال تجرى على ألسنة الظرفاء والمتظرفين من متأدبي بغداد لما فيها من حلاوة في الأدب وطرافة في النكتة وإن كانت لا تخلو من الأدب «المكشوف» .