ولم يقتصر مؤرخنا على كتب التاريخ وحدها ينقل منها ما يشاء إلى كتابه بل تعداها إلى كتب النوادر والمتعة كنشوار المحاضرة والفرج بعد الشدة للتنوخى ولطائف المعارف وثمار القلوب للثعالبي ودواوين الشعراء وكتب تراجمهم كطبقات الشعراء لابن المعتز والأغاني لأبى الفرج الأصفهاني وغيرها، وقد أشرت إلى ذلك كله في محال ورودها. ثم أورد في كتابه الحوادث السياسية وما دار من دسائس القواد ورؤساء الجند من الأتراك والديالم وخفايا دار الخلافة بأسلوب المؤرخ الواثق مما يروى، وهو في الوقت نفسه كان يحسب لقارئه حسابا فأشفق من ملله من التاريخ السياسي وسرد حوادث السنين كما فعل الطبري وغيره فأورد له في ثنايا كلامه بعض النكت الأدبية والحكايات التي تدور حول الخلفاء وما قيل من شعر في بعض الوزراء مما يغمزون به، ولم ينس أن يورد أنا شيد العامة أو تعليقاتهم إذا ما شهر وزير منكوب أو خارجي مأسور، كقول صبيان بغداد حين شهر ابن زهمويه:

أيا وزير الوزرا ... كذا تقاد الأسرا

أو غناء العامة في أسواق بغداد حين أخفق رسول الخليفة سديد الدولة ابن الأنباري في دفع السلطان محمود بن ملك شاه من دخول بغداد:

يا جلال الدين ذا شرح يطول ... وابن الأنباري فما يرجع رسول

والقرايا كلها صارت تلول ... تزرع الكر وتحصد كارتين

فإن في هذا الغناء من الهجاء الدفين ما لا يخفى على اللبيب. أورد كل ذلك ليطرد السأم عن قارئه وليغريه بالمتابعة، لهذا لا يحسّ القارئ معه بغرابة لما يورد أو نبوّ لما يروى في مكانه.

ومع هذا كله فالكتاب ليس كتابا في النوادر كما شاء دى خويه، مصنف فهرس المخطوطات العربية القديم في لايدن، أن يسميه وتبعه بروكلمان ومنه نقل هلموت رتر هذه التسمية وأضاف: «ومن الكتب التي تعنى بالنوادر أكثر مما تعنى بسرد الوقائع التاريخية» كتاب الإنباء في تاريخ الخلفاء «الّذي كتبه محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015