2 ـ إنّ الحداد حكم أوجبه الشارع على المرأة المتوفى عنها زوجها لأن تركه (أي الحداد) بفعل ما ينافيه من التطيب واللبس والتزيّن يدعو إلى الجماع, فمنعت المرأة منه زجراً لها عن ذلك فكان ذلك ظاهراً في حق الميت لأنه يمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه بخلاف المطلّق الحي في كل ذلك ومن ثم وجبت العدة على كل متوفى عنها وإن لم تكن مدخولا بها بخلاف المطلقة قبل الدخول فلا إحداد عليها اتفاقا 1.
3 ـ إنّ المطلّقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد وليس الأمر كذلك في المتوفى عنها زوجها؛ فإن عودتها إلى الزوج الميت مستحيلة فليس ثمة ما يدعو إلى إيجاب الحداد على المبتوتة, فإن قيل: هذا لا يستقيم في الملاعنة فإن تحريمها على الملاعن تحريم أبدي ومع هذا فلا حداد عليها؟ قيل: الجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن تحريم الملاعنة على الملاعن ليس محل اتفاق عند أئمة الفتوى, بل من الفقهاء من قال: إنها لا تحرم تحريما أبدياً, وإنما يكون الملاعن بعد الفرقة خاطبا من الخطاب, وقد قال بهذا فقهاء الحنفية.
الوجه الثاني: لو سلّمنا بأن الملاعنة تحرم على الملاعن على التأبيد لم نسلم بالاعتراض؛ لأننا نقول: إن وجوب الحداد إنما هو لفقد الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية.
4 ـ إن الزوج الميت فارق زوجته وهو على نهاية الإشفاق عليها والرغبة فيها, ولم تكن المفارقة من قبله, فلزمها لذلك الإحداد وإظهار الحزن, والمطلقة فارقها مختارا لفراقها مقابحاً لها فلا يتعلق بها حكم الإحداد كالملاعنة 2.
5 ـ روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل" رواه أبو داود والنسائي3. فهذا الحديث نص في وجوب الحداد على المعتدة من الوفاة وهو مخصص لعموم الحديث الذي استدل به المخالفون على فرض صحته. فإن قيل: هذا الحديث لا يدل على عدم وجوب الحداد على المبتوتة بدليل آخر؟ قلنا: بل هو يدل على عدم وجوب الحداد عليها إذ أنه لم يوجد دليل أقوى منه بل ولا مساوياً له يفيد هذا الوجوب, فلما لم يوجد ذلك دل على أن المصير إلى مدلوله واجب.