وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1 ـ إنَّ الكتابية غير مخاطبة بحقوق الشرع والحداد من حقوقه يوضحه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر.." الخ.
فالإيمان شرط لوجوب الحداد وهو لا يوجد في الكتابية لكونه حقاً من حقوق الشرع, والذمية ليست أهلا لذلك يوضحه أن المسلمة لو أمرت بترك الحداد لم يكن لها ذلك فدل على أنه تكليفي, والأحكام التكليفية خاصة بالمسلمين قال ابن القيم في الهدي مستدلا لهذا القول بأن النّبي صلى الله عليه وسلم "جعل الإحداد من أحكام من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل فيه الكافرة ولأنها غير مكلفة بأحكاَم الفروع فعدوله عن اللفظ العام المطلق إلى الخاص المقيد بالإيمان يقتضي أن هذا من أحكام الإيمان ولوازمه وواجباته فكأنه قال: من التزم الإيمان فهذا من شرائعه وواجباته"1.
هذا ما يمكن أن يستدل به بهذا القول, وقد عرفت الجواب عن اشتراط الإيمان في وجوب الحداد عند الكلام على أدلة الجمهور, ونضيف هنا ما ذكره ابن القيم عند عرضه للمسألة حيث قال: "والتحقيق أنّ نفي حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفي حكمه عن الكفار ولا إثبات الحكم لهم أيضا, وإنما يقتضي أنّ من التزم الإيمان وشرائعه فهذا لا يحل ويجب على كل حال أن يلزم الإيمان وشرائعه ولكن لا يلزم الشارع شرائع الإيمان إلا بعد دخوله فيه, وهذا كما لو قيل للمؤمن أن يترك الصلاة والحج والزكاة فهذا لا يدل على أن ذلك حل للكافر وهذا كما قال في لباس الذهب: "لا ينبغي للمتقين" فلا يدل إنه ينبغي لغيرهم وكذا قوله: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً" 2.
كما عرفت مزيداً من أدلة الفريقين عند الكلام على وجوب الحداد على الصغيرة, وسبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة راجع من حيث الجملة إلى أمرين:
الأمر الأول: الاختلاف في خطاب أهل الذمة بفروع الشرع هل يخاطبون بها أولا؟ فمن قال: إنهم يخاطبون بها قال: يجب الحداد على الذمية, ومن قال: إنهم لا يخاطبون بها قال: لا يجب الحداد عليها.
الأمر الثاني الاختلاف في العدة هل هي حق لله أم حق للزوج؟ فمن قال: إنها حق لله قال: لا تجب العدة على الذمية, ومن قال: إنها حق للزوج قال: تجب العدة عليها, والذي يترجح عندي هو أن الذمية لا يجب عليها الحداد إلا إذا رفع ذلك إلى الحاكم المسلم فإنه يلزمها حينئذ بالحداد.