فرق ولا تجب عدة الوفاة إلا حيث يجب الحداد؛ لأن الحداد حق للزوج فهو يلتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه1.

فإن قيل كيف يكون الحداد واجباً على الكتابية وقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوبه الإيمان بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تحد..". فهذا دليل على عدم وجوبه على الكتابية؟ قيل الجواب عن ذلك من أوجه:

أـ أن شرط الإيمان إنما ذكر تأكيداً للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يشاركهم غيرهم2.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم مجيبا عن هذا الاعتراض ومبيِّناً أنه لا دليل فيه "وأن المؤمن هو الذي يستثمر خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له فلهذا قُيّد به"3. أضف إلى هذا أن السبكي نقل في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في "تؤمن بالله واليوم الآخر"4.

ب ـ أنّ الحداد حق للزوجية على ما بيّنا فهو ملتحق بالنفقة والسكن فكما أن الزوج تجب عليه نفقة زوجته وسكنها فكذلك يجب على الزوجة الحداد على زوجها5.

ج ـ أن العدة لا تجب على الذمية إلا إذا كان زوجها مسلماً أما إذا كان زوجها ذميا فإن الحداد لا يجب عليها, وأهل الذمة مطالبون بتنفيذ عقودهم مع المسلمين وهذا منها. قال ابن القيم في الهدي مشيراً إلى ما قلنا: "ولكن عذر الذين أوجبوا الحداد على الذمية أنه يتعلق به حق الزوج المسلم وكان منه إلزامها به كأصل العدة ولهذا لا يلزمونها به في عدتها من الذمي ولا يتعرض لها فيها فصار هذا كعقودهم مع المسلمين فإنهم يلزمون فيها بأحكام الإسلام وإن لم يتعرض لعقودهم مع بعضهم بعضا"6. وذهب الحنفية وبعض المالكية وأبو ثور إلى عدم وجوب الحداد على الذمية سواء كان زوجها مسلماً أو ذمياً7.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015