الكلام على الفصل الثاني وهي قاضية بوجوب الحداد، شاملة بعمومها لكل أحد وإخراج الصغيرة من هذا العموم يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.

وأما استدلالهم بالمعقول فمن وجوه:

أـ إنّ العدة تجب على الصغيرة اتفاقاً فإذا كان الأمر كذلك فإن الحداد يجب عليها لكونه حُكماً من أحكام النكاح فهو يشترك مع العدة في ذلك بالإضافة إلى ما فيه من إظهار التأسف على فراق الزوج، ونحن نعلم يقينا فراغ رحم الصغيرَة ومع ذلك وجبت العدة عليها. فالعدة إنما وجبت عليها لحق الشرع لأن فراغ رحمها من ماء الزوج أمر مقطوع به ومع هذا وجبت عليها العدة فكذلك الحداد يجب عليها.

ب ـ إن الصغيرة يحرم العقد عليها بل تحرم خطبتها مادامت في العدة وهذا المعنى يوجد في حق الكبيرة فظهر أنهما يشتركان في حكم الحداد أيضا1.

ج ـ إنّ غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا، وإنما يفترقان في الإثم2 فإذا كان الأمر كذلك فإنّ ترك الحداد فعل محرم والصغيرة ممنوعة من ذلك ويكون المنع إلى وليّها بمعنى أنه لا يمكنها من ترك الحداد كما أنه لا يمكنها من ترك العدة فتحريم الطيب وسائر أنواع الزينة عليها إنما هو لحق الشرع، فالشرع هو الذي منعها من ذلك، والغرض من هذا هو إظهار حق الزوج وهذا المعنى يستوي فيه البالغة وغيرها.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى عدم وجوب الحداد على الصغيرة وجعلوا ذلك مخصوصا بالمرأة البالغة، وإنما قالوا بذلك لما يأتي3:

1 ـ أن الحداد حق من حقوق الشرع ولهذا لو أمرها الزوج بتركه لا يجوز لها تركه فلا تخاطب الصغيرة بذلك، وكذا شرط الإيمان فيه حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر" الحديث.

2 ـ إنّ منع الصغيرة المتوفى عنها زوجها من اللبس والطيب هو فعلها الحسّي محكوم بحرمته فلابد فيه من خطاب التكليف بخلاف العدة وإنها قد تقال على كف النفس عن الحرمات الخاصة وعلى نفس الحرمات وعلى مضي المدة وهي اللازمة لها على كل حال بمعنى أنه يثبت بعد الموت صحة نكاح الصغيرة إلى انقضاء مدة معينة وهي مدة العدة فإذا باشروا لها عقد النكاح قبل انقضاء عدتها لا يصح شرعا ولا خطاب للعباد فيه تكليفي بل هو من ربط المسببات بالأسباب وهذا كله لا يوجد في الحداد لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015