الوجه الثالث: لو سلّمنا بصحة هذا الحديث فالأحاديث الدالة على الوجوب مقدّمة عليه لكونها أصح منه ولا ريب في دلالتها على الوجوب فإنّ حديث التي شكت عينها والذي تم تثبته قريبا يفيد الإيجاب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وأيضا السياق يدل على الوجوب فإن كل ما منع منه ودل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالاً بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف1.
هذا ما يمكن أن يستدل به لهذا القول وما يمكن أن يجاب به عن الاستدلال.
والذي يترجح عندي هو القول بوجوب الإحداد إذا وجد سببه وتوفرت شرائطه وذلك لدلالة السنة والمعقول وإجماع الصحابة على ما بيَّنا فهل يقول مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعدم وجوب الإحداد بعد معرفة النصوص النبوية الشريفة التي تفيد بمنطوقها ومفهومها إيجاب ما دلت عليه ... لا أعتقد أنّ أحداً يقول بخلاف ذلك ولهذا انعقد إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على هذا المعنى، وفي ظني أن الحسن البصري والإمام الشعبي لو بلغتهما هذه النصوص لما أحجما عن القول بوجوب الإحداد لما عرف عنهما من الفضل والتقوى وإرادة الحق وهذا شأن كل مسلم لأن المسلم إنما سمي مسلما لتنفيذه الأوامر الربانية واجتنابه النواهي السماوية وهو ما يفيده معنى الإسلام فإن الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، فإذا كان المسلم قائماً بما أَمر به مجتنباً لما نهي عنه استحق أن يوصف بوصف الإسلام والإيمان، وإذا لم يكن كذلك فلا فرق بينه وبين سائر الناس الذين لا يؤمنون بالشرائع السماوية.
ونحن لا نقول إنّ المرأة المتوفى عنها زوجها إذا تركت الإحداد خرجت من الإسلام وإنما نقول إنها تركت واجباً من واجبات الإسلام يثاب فاعله ويعاقب تاركه فإن الإيجاب وعدمه لا يعرف إلا من قبل الشارع وهو الذي أوجب الإحداد على كل من توفي عنها زوجها من غير تفصيل.