فأضاف هذه الأفعال إلى نفسه إذ هي واقعة بخلقه ومشيئته وقضائه. وأضافها إلى أسبابها إذ هو الذي جعلها أسباباً لحصولها. [ولا تعارض] بين الإضافتين، ولا تناقض بين السببين.
وإذا كان كذلك: تبين أن إضافة الفعل الاختياري إلى الحيوان بطريق التسبب، وقيامه به، ووقوعه بإرادته لا ينافي إضافته إلى الرب - سبحانه - خلقاً ومشيئة وقدراً.
ونظيره، قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَآ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} 1.
وقال لنوح: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} 2.
فالرب - سبحانه - هو الذي حملهم فيها بإذنه وأمره ومشيئته، ونوح حملهم بفعله ومباشرته"3
وخلاصة القول في تقدير أفعال العباد:
أن اللَّه لم يزل عالماً بأفعال العباد التي سيفعلونها، وأنه كتب علمه بأفعالهم في اللوح المحفوظ، حيث اقتضت الحكمة أن يأذن لهم بفعلها، وتعلقت بها إرادته الكونية. وإذا جاء الأجل هيأ لهم أسباب الفعل، وصرف عنهم الموانع، ومكنهم منه، فباشروه وفعلوه.