أما الرسالة الأولى:
بسم الله الرحمن الرّحيم: اللهمّ حلّني بالتوفيق، وأيّدني بالنّصرة، واقرن منطقي بالسّداد، واجعل لي من الوزير وزير الممالك عقبى فارجة من الغمم، وخاتمة موصولة بالنجاح، فإنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
كنت وصلت إلى مجلس الوزير، وفزت بالشّرف منه، وخدمت دولته، وعلاه من صدري بخبيئته، ومن فؤادي بمحيضته، وتصرفت من الحديث بإذنه في شجونه وفنونه، كلّ ذلك آملا في جدوى آخذها، وحظوة أحظى بها، وزلفى أميس معها، ومثالة أحسد عليها، فتقبّل ذلك كلّه، ووعد عليه خيرا ولم يزل أهله، وانقلبت إلى أهلي مسرورا بوجه مسفر، ومحيّا طلق، وطرف عازم، وأمل قد سدّ ما بين أفق العراق إلى صنعاء اليمن، حتّى إذا قلت للنفس: هذا معان الوزير ومعمره، وجنابه ومحضره، فانشرحي مستفتحة، وتيمّني مقترحة، واطمئنّي راضية مرضيّة، لا كدرة الشّرب، ولا مذعورة السّرب، حصلت من ذلك الوعد والضمان، على بعض فعلات الزمان، ولا عجب في ذلك من الزمان فهو بمثله مليء، وله فعول. وبقيت محمولا بيني وبين إذكاره- قرن الله ساعاته بسعاداته، ووصل عزّ يومه بسعادة غده، وغده بامتداد يده- حيران لا أريش ولا أبري، ثمّ رفعت ناظري، وسدّدت خاطري، وفصّلت الحساب لي وعليّ، فوضح العذر المبين، المانع من استزادة المستزيدين، وذلك أني رأيت أعباء الوزارة تؤود سرّه، وتتعب باله، والمملكة تفزع ولهى عليه، وتلقي بجرانها له بين يديه، والدولة تستمدّه التدبير الثاقب، والرأي الصائب، سوى أمور في خلاف ذلك لا يحرّرها رسم راسم، ولا يقرّرها قسم قاسم، ولا يحويها وهم واهم، ولا يفوز بها سهم مساهم، وهو يخطر في حواشي هذه الأحوال، متأبّطا بواهظ الأثقال، مفتتحا عويص الأقفال، سامي الطّرف، فسيح الصّدر، بسّاما على العلّات، غير مكترث بهاك وهات، يتلقّى ما أعيا من ذلك باللّيّ، وما أشكل بالإيضاح، وما عسر بالتّدبير، وما فسد بالإصلاح، وما أرقّ بالعتق، وما خرق بالرّتق، وما خفي بالتكشيف، وما بدا بالتصريف، وما أود بالتثقيف، وما لبس