بالتعريف، حتى أجمع على هواه قاصيها ودانيها، وجرى على مراده خافيها وباديها، واستجاب لأمره أبيّها ومنقادها، وأتلف بلفظه نادرها ومعتادها، فلمّا تيقّنت ذلك كلّه وقتلته خبرا، أمسكت عن إذكاره- نفّس الله مدّته- سالف عهده، ومتقدّم وعده، عالما بأنّ أسرّهما مرعيّ عنده في صدر الكرم، ومكتوب لديه في صحيفة المجد، وثابت قبله في ديوان الحسنى.

ولكن كان ذلك الامتنان على رغم منّي، لأني قتلت في أثنائه بين جنبيّ قلبا مغرور الرّجاء، ومنزور العزاء، على عوارض لم تسنح في خلدي، ولم أعقد على شيء منها يدي.

فالحمد لله الذي جعل معاذي إلى الوزير الكريم، البرّ الرّحيم، والمنّة لله الذي جعلني من عفاة جوده، وناشئة عرفه، ووارد عدّه، وقادحي زنده، ومقتبسي نوره، ومصطلي ناره، وحاملي نعمته، وطالبي خدمته، وجعل خاصّتي وخالصتي من بينهم راوية مناقبه باللّسان الأبين، ونشر فضائله بالثّناء الأحسن، وذكر آلائه باللّفظ الأفصح، والاحتياج لسداد آرائه بالمعنى الأوضح، فلا زال الوزير- وزير الممالك- ممدوحا في أطوار الأرض على ألسنة الأدباء والحكماء، وفي نوادي الرّؤساء والعظماء، ما آب آئب، وغاب غائب، بمنّه ولطفه.

قد ناديت الوزير حيّا سامعا، وخيرا جامعا، وهززت منه صارما قاطعا وشهابا ساطعا، واستسقيت من كرمه سحابا هاطلا، ونقاخا سائلا، وأسأله أن يجنّبني مرارة الخيبة، وحسرة الإخفاق، وعذاب التّسويف، فقد تلطّفت بالسّحر الحلال، والعذب الزّلال، جهد المقلّ المحتال، وهو أولى بمجده، في تدبير عبده، إن شاء الله تعالى.

هذا آخر الرّسالة الأولى.

وحضر وصولها إليه بهرام- لعنه الله- وتكلّم بما يشبه نذالته وخسّته ونتن نيّته، فما كنت آمنه، وما أشدّ إشفاقي على هذا الوزير الخطير من شؤم ناصية بهرام، وغلّ صدره، وقلّة نصيحته، ولؤم طبعه، وخبث أصله، وسقوط فرعه، ودمامة منظره، ولآمة مخبره، حرس الله العباد من شرّه، وطهّر البلاد من عرّه وضرّه.

وأما الرسالة الثانية فهي التي كانت في هذه الأيام بعد استئذاني إيّاه في المخاطبة بالكاف، حتّى يجري الكلام على سنن الاسترسال، ولا يعثر في طريق الكتابة بما يزاحم عليه من اللّفظ واللّفظ، وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم. أيّها الوزير، جعل الله أقدار دهرك جارية على تحكّم آمالك، ووصل توفيقه بمبالغ مرادك في أقوالك وأفعالك، ومكّنك من نواصي أعدائك، وثبّت أواخي دولتك على ما في نفوس أوليائك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015