ولا طرب السّندواني على ابن الكرخيّ إذا غنّى:
هجرتني ثم لا كلّمتني أبدا ... إن كنت خنتك في حال من الحال
فلا انتجيت نجيّا في خيانتكم ... ولا جرت خطرة منه على بال
فسوّغيني المنى كيما أعيش بها ... ثم احبسي البذل ما أطلقت آمالي
أو ابعثي تلفا إن كنت قاتلتي ... إليّ منك بإحسان وإجمال
ولا طرب الحريريّ الشاهد على حلية جارية أبي عائذ الكرخيّ «إذا أخذت في هزارها» ، واشتعلت بنارها وغنّت:
قالت بثينة لما جئت زائرها ... سبحان خالقنا ما كان أوفاكا
وعدتنا موعدا تأتي لنا عجلا ... وقد مضى الحول عنّا ما رأيناكا
إن كنت ذا غرض أو كنت ذا مرض ... أو كنت ذا خلّة أخرى عذرناكا
ولا طرب أبي سعيد الصائغ على جاريته ظلوم إذا قلبت لحنها إلى حلقها واستنزلته من الرأس، ثم أوقعت فغنّت:
فيا لك نظرة أودت بعقلي ... وغادر سهمها منّي جريحا
فليت مليكتي جادت بأخرى ... وأعلم أنّها تنكا القروحا
فإمّا أن يكون بها شفائي ... وإمّا أن أموت فأستريحا
ولا طرب الزّهريّ على خلوب جارية أبي أيّوب القطّان إذا أهلّت واستهلّت، ثم اندفعت وغنّت:
إذا أردت سلوّا كان ناصركم ... قلبي وما أنا من قلبي بمنتصر
فأكثروا أو أقلّوا من إساءتكم ... فكلّ ذلك محمول على القدر
وضعت خدي لأدنى من يطيف بكم ... حتّى احتقرت وما مثلي بمحتقر
وأبو عبد الله المرزبانيّ شيخنا إذا سمع هذا جنّ واستغاث، وشقّ الجيب وحولق وقال: يا قوم أما ترون إلى العبّاس بن الأحنف، ما يكفيه أن يفجرّ حتى يكفّر؟ متى كانت القبائح والفضائح والعيوب والذنوب محمولة على القدر؟ ومتى قدّر الله هذه الأشياء وقد نهى عنها، ولو قدّرها كان قد رضي بها، ولو رضي بها لما عاقب عليها، لعن الله الغزل إذا شيب بمجانة، والمجانة إذا قرنت بما يقدح في الديانة. ورأيت أبا صالح الهاشميّ يقول له: هوّن عليك يا شيخ، فليس هذا كلّه على ما تظنّ، القدر يأتي على كلّ شيء، ويتعلّق بكلّ شيء، ويجري بكلّ شيء، وهو سرّ الله المكتوم، كالعلم الذي يحيط بكل شيء، وكلّ ما جاز أن يحيط به علم جاز أن يجري به قدر، وإذا جاز هذا جاز أن ينشره خبر، وما هذا التضايق والتحارج في هذا