ولا طرب ابن حيّويه على غلام الأمراء إذا غنّى:
قد أشهد الشارب المعذّل لا ... معروفه منكر ولا حصر
في فتية ليّني المآزر لا ... ينسون أخلاقهم إذا سكروا
وغلام الأمراء هو الذي يقول فيه القائل:
أبو العباس قد حجّ ... وقد عاد وقد غنّى
وقد علّق عنّازا ... فهذا هم كما كنّا
وأصحابنا يستملحون قوله (هم) هاهنا، ويرونه من العيّ الفصيح.
ولا طرب أبي سليمان المنطقيّ إذا سمع غناء هذا الصّبيّ الموصليّ النابغ الذي قد فتن الناس وملأ الدنيا عيارة وخسارة، وافتضح به أصحاب النّسك والوقار، وأصناف الناس من الصّغار والكبار، بوجهه الحسن، وثغره المبتسم، وحديثه الساحر، وطرفه الفاتر، وقدّه المديد، ولفظه الحلو، ودلّه الخلوب، وتمنّعه المطمع، وإطماعه الممنّع وتشكيكه في الوصل والهجر، وخلطه الإباء بالإجابة، ووقوفه بين لا ونعم. إن صرّحت له كنى، وإن كنيت له صرّح، يسرقك منك، ويردّك عليك، يعرفك منكرا لك، وينكرك عارفا بك، فحاله حالات، وهدايته ضلالات، وهو فتنة الحاضر والبادي، ومنية السائق والهادي، في صوته الذي هو من قلائده:
عرفت الذي بي فلا تلحني ... فليس أخو الجهل كالعالم
وكنت أخوّفه بالدّعا ... وأخشى عليه من الماثم
فلو كنت أبصرت مثلا له ... إذا لمت نفسي مع اللائم
فلمّا أقام على ظلمه ... تركت الدّعاء على الظالم
ولا طرب أبي عبد الله البصريّ على إيقاع ابن العصبيّ إذا أوقع بقضيبه وغنّى بصوته:
أنسيت الوصل إذ بت ... نا على مرقد ورد
واعتنقنا كوشاح ... وانتظمنا نظم عقد
وتعطّفنا كغصنى ... ن فقدّانا كقدّ
وبسبب هذا ونظائره عابه الواسطيّ، وقدح في دينه، وألصق به الرّيبة، واستحلّ في عرضه الغيبة، ولقّبه بالمنفّر عن المذهب، وقاطع الطّريق على المسترشد.
ولا طرب ابن الورّاق على روعة جارية ابن الرّضيّ في الرّصافة إذا غنّت:
وحقّ محلّ ذكرك من لساني ... وقلبي حين أخلو بالأماني
لقد أصبحت أغبط كلّ عين ... تعاينها فتسعد بالعيان