ثم ثنّت بصوتها الآخر:
هبيني امرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا تاب بعد فأعتبا
فكنت كذي داء تبغّى لدائه ... طبيبا فلما لم يجده تطبّبا
ولا طرب ابن معروف قاضي القضاة على غناء عليّة إذا رجّعت لحنها في حلقها الحلو الشّجي بشعر ابن أبي ربيعة:
أنيري مكان البدر إن أفل البدر ... وقومي مقام الشّمس ما استأخر الفجر
ففيك من الشّمس المنيرة نورها ... وليس لها منك المحاجر والثّغر
ولا طرب ابن إسحاق الطبريّ على صوت درّة البصريّة إذا غنّت:
يا ذا الذي زار وما زارا ... كأنّه مقتبس نارا
قام بباب الدار من زهوه ... ما ضرّه لو دخل الدارا
لو دخل الدار فكلّمته ... بحاجتي ما دخل النّارا
نفسي فداه اليوم من زائر ... ما حلّ حتى قيل قد سارا
ولا طرب ابن الأزرق الجرجرائيّ على غناء سندس جارية ابن يوسف صاحب ديوان السّواد إذا تشاجت وتدلّلت، وتفتّلت وتقتّلت «1» ، وتكسّرت وتيسّرت، وقالت:
أنا والله كسلانة مشغولة القلب بين أحلام أراها رديئة، وبخت إذا استوى التوى، وأمل إذا ظهر عثر، ثم اندفعت وغنّت:
مجلس صبّين عميدين ... ليسا من الحبّ بخلوين
قد صيّرا روحيهما واحدا ... واقتسماه بين جسمين
تنازعا كأسا على لذّة ... قد مزجاها بين دمعين
الكأس لا تحسن إلا إذا ... أدرتها بين محبّين
ولا طرب ابن سمعون الصّوفيّ على ابن بهلول إذا أخذ القضيب وأوقع ببنانه الرّخص، ثم زلزل الدنيا بصوته الناعم، وغنّته الرّخيمة، وإشارته الخالبة، وحركته المدغدغة، وظرفه البارع، ودماثته الحلوة، وغنّى:
ولو طاب لي غرس لطابت ثماره ... ولو صحّ لي غيبي لصحّت شهادتي
تزهّدت في الدنيا وإني لراغب ... أرى رغبتي ممزوجة بزهادتي
أيا نفس ما الدنيا بأهل لحبّها ... دعيها لأقوام عليها تعادت