تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا))، وفي ((السنن)) أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة، ومع أن التمثيل بالكافر بعد موته فيه نكاية بالعدو ولكن نهى عنه لأنه زيادة إيذاء بلا حاجة، فإن المقصود كفّ شرّه بقتله وقد حصل.
فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفارًا وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثّلوا بأبدانهم، ولا يضربونهم، ولا يشقون بطونهم، ولا ينتفون شعورهم، مع أن في ذلك نكاية فيهم، أما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنًّا أن ذلك يصل إليهم كان غاية الجهل، فكيف إذا كان بمحرّم كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق، فيفعلون ما لا يحصل لهم به منفعة أصلاً، بل ضرر في الدين والدنيا والآخرة مع تضمنه غاية الحمق والجهل.
ومن حماقاتهم: إقامة المأتم والنياحة على من قتل من سنين عديدة، ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرّمه الله ورسوله، فقد ثبت في ((الصحيح)) عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: ((ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليّة)) وثبت في ((الصحيح)) عنه أنه برئ من الحالقة، والصالقة، والشّاقة، فالحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة بالمصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها. وفي ((الصحيح)) عنه أنه قال: ((من نيح عليه فإنّه يعذّب بما نيح عليه)). وفي ((الصحيح)) عنه أنه قال: ((إنّ النّائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنّها تلبس يوم القيامة درعًا من جرب، وسربالاً من قطران))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.