فلا يألون، فكأنهم إليه -صلى الله عليه وسلم- مجتمعون، ولما يتلوه منه مستمعون، فلأبصارهم خشوع وغض، ولهم على النواجذ عض، ودمعهم بما عرفوا من الحق مرفض، وإن اختلفوا في الأفهام، وتباينوا في الخواطر والأوهام، وكلا وعد الله الحسنى، وبوأه الله المحل الأسنى، وما ظنك بشيء للماهر به حظ من حظين، ولمن يشتد عليه تمام أجرين، لكن ليس من أينعت له أيكة العلم فهو يهدب، كمن اقتصر على رواية إليها ينتدب، ذلك تمتع بالجنى، وتصرف بين اللفظ والمعنى، ودنا فتدلى، وكشف له عن أسراره فاجتلى، وهذا خازن أمين أدى، وظرف باطنه عرف نضح بما فيه وأندى، فحسبك منه ما بدا، وأن تجد على النار هدى، أما إن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سبقت بنضرته، وحدتك إلى حضرته.
وإني تأملت كتابي الشيخين الإمامين: أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي، وأبي عمرو عثمان بن سعيد القرشي -رضي الله عنهما- "التبصرة" و"التيسير"1، فألفيت معناهما للاسمية موافقا، وباطنهما للعنوان مصاحبا مرافقا؛ لأنهما قرباهما للمبتدئ الصغير، وقصدا قصد التبصير والتيسير، وطولا مدى الكلام القصير، ولا درك عليهما، بل لهما الدرك والسبق الذي لا يدانى ولا يدرك، لكن في كتابيهما مجال للتهذيب، ومكان للترتيب، فكم هناك من منفرد حِيل بينه وبين أخيه، ونازح عن أمه وأبيه، ومنفصل عن فصيلته التي تؤويه.
ولما طالت بهما الغصة، ولاحت لي فيهما الفرصة، ورجوت أن أفوز باهتبالها، وأحرز ما يبقى من صيتهما وجمالها، واستخرت الله تعالى في ضم الشكل إلى شكله، وجمع ما تشتت من شمله، ورد النازح إلى أهله، في كتاب يسري في الآفاق نجما، ويكون كأحدهما حجما، وإن عجمه الباهر الماهر أربى وأقنع، أو سامه الشادي القاصر أعطى ومنع، بيد أنه لا يعتاص عليه منه إلا ما لا حظ له الآن فيه، وما دونه يحسبه ويكفيه، إلى أن يمتد محياه، وتشتد لحياه، فإني في مواضع صلحت فيها الزيادة، وتمت بها الإفادة، رفعت العنق إلى النص، وملت عن الأعم