إلى الأخص، وفي مواضع أجحف فيها الحذف، وتقلص ثوب المعنى فلم يضف، مددت بقدر الحاجة من أنفاسها، وأضفيت إلى حد الكفاية من لباسها، وفي مواضع طال بها المدى، وترك الكلام سدى، فجرت العبارة بغير عنان، وبرئت من الخبر إلى العيان، ألممت كلا ولا، واكتفيت من القلادة بما أحاط بالطلا، وأدمجت باع العبارة في فترة الإشارة، وأثبتّ من الحدقة إنسانها، ومن القناة سنانها، ومن القلب ثمرته المحجوبة، ونكتته المطلوبة، إلى ما يتبع ذلك من تقسيم قسيم، وتفصيل أصيل، وتمييز وجيز، وتنبيه نبيه.
وحُقَّ على من أُوتي بسطة في اللسان، وبُوِّئ ذروة الإحسان، وأخذ عن النقاب الماهر، والشهاب الزاهر، أستاذ الأستاذين1، وجهبذ الجهابذة الناقدين أبي الحسن علي بن أحمد -رضي الله عنه- بقية الأعلام، وذخيرة الأيام، فأتقن ما أخذ، وثقب ذهنه فنفذ، أن ينشر ما طواه، ويبث ما علمه ورواه، ويعطي الميثاق المأخوذ على العلماء حقه, ويبذل للناس تبريزه وحذقه، ويقرب عليهم البعيد، ويبدئ في مصالحهم ويعيد، وكم بت بهذه الأغراض معنى، وتصديت إليها متيحا معنا، وجمعت لها نفسي فنا فنا، ثم أسأت بالإحسان ظنا، فأخللت بما اعتقدت، وحللت ما عقدت، وبهرجت ما نقدت، وقاربت وسددت، وحاسبت نفسي وشددت، ثم استمر الرأي على تهذيبه وتخليصه، ومضت العزيمة في تنقيته وتمحيصه، وطالعت أبي -أيده الله- في مشكله وعويصه، فلما سره وأرضاه، وأقره وارتضاه، وتقلده وانتضاه، كشفت عنه قناعا مغدفا، وأطلعته نورا يجلو سدفا، ودرا فارق من الكتمان صدفا، استنادا إلى عارضته الشديدة المكينة، ومواده العتيدة المعينة؛ لأنه يغرف من بحور، ويسعى بين يديه أوضح برهان وأسطع نور، فدونك منه فائدة تشد الرحال فيما دونه، ويلقاها الرجال ولا يعدونها يتيمة فاردة، وغنيمة باردة، لم تنادك من وراء حجاب، ولا أوجف عليها بخيل ولا ركاب، وإذا