* وفي حديث آخر أن عيسى يدلهم على محمد - صلى الله عليه وسلم - فيأتون محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وبنفس قول عيسى عليه السلام لست بصاحب ذلك تعيين الأمر لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
* وقوله: (وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط) يريد بهذا قيام الجد، من قولهم قام زيد بالأمر، وكل من أدى الأمانة فيما بينه وبين ربه وبين المسلمين ظهر خفيها وبرز كامنها، فكان في ذلك الموطن لأنها من الإيمان المحض الصرف فيدفع الله بها الجبال من الزلات والمعاصي، وكذلك الرحم فإنها مما عظم الله تعالى شأنه، وجعلها امرة في ذلك الموطن علما وحكمة، فإن الرحم من الوالدين والأقربين هي في المعنى تسببت في وجود الآدميين فالله تعالى خلق عبده في ذلك فهو كما قال عز وجل: {يذروؤكم فيه} فإذا رعى الآدمي ماذرأه الله فيه وجعله إكليلا عليه من جوانبه كان ذلك من أكرم الصلات وأثر الوسائل لمن وصلها، كما أنه من أعظم الحوب لمن قطعها، مثل الأمانة؛ فإن من أداها لله عز وجل كان له الفوز العظيم، ومن خانها وأضاعها (203/ ب) خسر الخسران المبين، والرحم إنما اشتد الأمر في صلتها ثوابا، وفي قطعها عقابا؛ من حيث أن طباع الآدميين لهجة بالحسد من الأقرب فالأقرب، والغيظ من الأدنى فالأدنى، ولأن الأقارب قل ما يخلصون من موجبات الشر والخير في المشاركات والمحاورات والمعاملات ونحو ذلك، فللمسلم على المسلم حق، والمسلم على المسلم إذا كان ذا رحم حقان، فإذا قطعه فقد قطع حقين كما أنه إذا وصله وصل سببين أكد الأول منهما الثاني.
* ومعنى قوله: (تمر كالبرق) فإنه يجوز أن يكون التشبيه واقعا بالسرعة، ويجوز أن يكون بالنور، فإن الناس في ظلمة يوم القيامة، وإنما إيمان المؤمنين ينير لهم، فالبرق أسرع الأشياء، ثم الريح بعده، فمن أسرع به في ذلك الموطن عمله حمد سرى ليله، ومن أبطأ به كان متثاقلا عن الطاعات فأبطأت به.