الجناية فيه لا يفي بها مقدار عمل عاملها، ولا حد مقامه، فإذا قابلها مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض جاهه في ذلك المقام المحمود، نهض بها، وكانت مكانته - صلى الله عليه وسلم - وكريم قدره يغسل ذلك الحوب، وهذا على ما كان فيه فإنه إظهار لجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الأولين والآخرين، ولا جرم أنه ينتشر كرمه وشرف مقامه حتى يتسع لأهل الجمع كلهم حين يضيق الخجل بالهداة عليهم السلام، فإن ادم عليه السلام يبلغ منه الأمر إلى أن يعترف لذريته بأن خطيئته كانت سبب إخراجهم من الجنة فهو في خجله منهم باق، ولقد كان قمينا أن يتدارك ذلك بأن يشفع في يوم القيامة، ولكن رأى أن ذلك مقام يلائم من شمل أمره الكل، وأن ذلك لا يتحقق إلا فيمن صدق المرسلين وهو خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، وأما إرسال آدم بنيه إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فإنه تلويح مشير أن الأمر يتسلسل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن بعد أن يدفعه الواحد منهم إلى الواحد حتى لا يبقى في قلب أحد شك أنه لما أرشد الأنبياء كلهم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - (203/ أ) قام بها وقال: (أنا لها).

* وقول إبراهيم عليه السلام: (إنما كنت خليلًا من وراء وراء) أي من خلف حجاب ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أتخذ خليلًا بعد أن أسري به.

* وقوله في موسى: (كلمه الله تكليمًا) فقوله تكليمًا مصدر مؤكد لقوله (كلم) ولو لم يكن الكلام فيه زيادة على الوحي لما قال لهم إبراهيم: اذهبوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليمًا، إذ الأنبياء كلهم قد كان يوحى إليهم.

* وقول موسى: (لست بصاحب ذلك) علم منه وإشارة إلى أن هذا المقام هو مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي وعده الله تعالى به بقوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} فكان موسى قال لست بصاحب ذلك أي أن له صاحبًا اذهبوا إلى عيسى فيرشدكم إليه، وما كان له أن يدل هو عليه، لأن عيسى بينهما، فيكون غضًا من عيسى، وإنما أمرهم بقصد عيسى ليرشدهم إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015