وحكى لي مرة أخرى أنه كان خارجًا من مكة يقصد المدينة وحده قال: فنوديت من بعض الجبال في حفظ الله وفي ودايعه؛ فقلت: من أنت تكون رحمك الله؟ فقال: إخوانك الجن يسلمون عليك ويودعونك.

* وفي هذا الحديث ما يدل عل لطف الله بالآدميين لأنه اختار لهم لباب الأشياء وجعل ما لم يختره لهم كالعظام زادًا لإخوانهم من الجن.

* وفيه أيضًا من الفقه أنه ينبغي للإنسان أن لا يطرح عظمًا مما يأكله بل ينزله ناويًا به الصدقة على الجن، وأن يذكر اسم الله عز وجل عليه ليستطيبه المؤمنون منهم، وينبغي أن لا يضايق الجن فيه، ولا يكسر ولا يثلمه ليجدوه أوفى ما يكون لحمًا، وكذلك لطف الله سبحانه بالآدمي فجعل قوته من جوهر البر الحنطة والشعير والحبوب، وجعل العصف الذي لا يصلح للآدميين قوتًا لدوابهم التي حملهم عليها، وجعل الروث والبعر قوتًا لعباده الجن ليعلمك أيها الآدمي أنه ليس في خلقه شيء يضيع، وأن الأشياء على كثرتها قد قدر لها من المرتزقين بإزائها في كل شيء.

* فأما قوله (ما شهدت (151/ أ) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن) فإنه يجوز أن يكون أراد ما شهدت حالة الخطاب بدليل الحديث الآخر: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن.

* وفي الحديث ما يدل على حسن صحبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم لما فقدوه التمسوه في الأودية والشعاب ولم يهملوا طلبه إلى أن أتى هو -وقوله: (استطير) أي استطيل بالأذى عليه، وانتشر الأعداء في طلبه، والاغتيال: الغدر والوثوب بالمكروه على عقله.

* وفيه أيضًا بيان حذرهم عليه وقولهم (استطير) محمول منهم مقتضى الحذر والإشفاق وإلا فإن الله تعالى لم يكن ليسلط عليه شيطانًا إذ لو قرب منه الشيطان لاحترق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015