رأى أنه رياض جنات، تنقل إلى بحبوحة الجنة، فمن أبى ذلك فقد أبى الجنة العاجلة والجنة الآجلة.

*فأما العبادات: فإنها للمؤمنين بثوابها، والناظرين إلى أنها في زمان مهلة، ودار رحلة، في موسم متجر يتجر، وذمته مع اليقين بسرعة الانتقال عنه، فإن كلا منها إذا نظره المؤمن بهذه العين، رأى أنه في مثل الجنة، إذا كان إنفاقه حياته في التزود للجنة، كما أن أحد تجار الدنيا إذا ورد في بعض أسفاره على معدن يرى نفاسته في أرضه إذا حمله فتزود من ذلك المعدن ما يأمل نفاقه في بلده إذا عاد إليه.

فإنه كلما ازداد في الاستكثار من التزود من ذلك المتاع لأمله في ربحه عند العودة إلى مقره، فإنه يستلذ ذلك التعب، ويستطيب ذلك النصب؛ فالصلوات رياض جنات، وأي جنات للراكعين فيها، وعند تلاوتهم كلام ربهم قياماً بين يديه، قد شرع لهم قطع كلام الخلق، وألا يلتفتوا بصورهم عن معبودهم، إشارة بذلك ألا يلتفتوا بصور باطنهم عن مناجاته أيضًا خالا هي.

* أما أماني أهل الجنة، وهي الخلوة عن الخلق بالرب سبحانه، واستمتاع كلامه ومناجاته بأذكاره (95/أ) والتذلل بين يديه، والخضوع له في طهارة ونظافة أثواب.

*وأما الصوم، فانه لأهله من حيث إيمان بالله في الباطن، وصبر عما تؤثره النفس من المطعم والمشرب والنكاح غيبًا بين العبد وبين ربه، فإن المؤمن إذا رأي نفسه في ذلك سره وأفرط حتى يكون من تلذذه به أنه يجد لذة عند تزايد المشقة؛ فكأنه في جنة تنقل إلى جنة.

*وأما الحج، فإن المؤمن إذا نهض قاصداً إلى بيت ربه، الذي جعله مجتمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015