عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} وكان ذلك من الشأن العظيم الذي قاوم الأمر العظيم، فقامت به الحجة وثبت به المعجزة.
*وأما جريج فإنه كان عبدًا صالحًا، إلا أنه لما دخل عليه من استغراقه في التعبد بالصلاة، كان غير ناظر إلى أن عبادة الله عز وجل في كل الطرق المشروعة متى أكب الإنسان على طريق منها، أضر بالبواقي، فيكون على نحو من أرجح كفه بأن أسف الأخرى، فلما أتته أمه، فكان كلامه لأمه أفضل عند الله من الصلاة النافلة، فقال: رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته وترك أمه، وكان من الفقه أن يقدم أمه؛ لأن صلاته إنما تكون له، وتكليمه أمه يكون عملًا متعبدًا يشمله ويشمل غيره، فربما كانت أمه قد جاءت في حاجة مهمة، بحيث يجب عليه أن يجيبها عنه.
*وفيه أيضًا أنها صلة رحم، هي أولى الأرحام بالصلة فآثر عليها ما لا يتعداه من الصلاة، فغلط في الموازنة فخسر، وقد ترددت إليه يومًا بعد يوم، وهو يؤثر الأدنى على الأرفع حتى هاج صدرها، بأن دعت عليه دعاء لا يبلغ فيه إلى الغاية؛ لأنها رفقت به؛ إذا خفي عليها فقالت: اللهم لا تمته حتى (53/أ) تيه وجوه المومسات؛ يعني الفواجر، فلما لم ينظر في وجه أمه، دعت عليه بعقوبة من جنس ما أعرض عنه من النظر في وجوه المومسات، والمومسات: جمع مومسة، وهي الفاجرة، ويقال: مومسات وميامس.