وإنما أجيب من دعائها مقدار ما سألت على وجه الرفق به من أن ينظر في وجوه الفواجر؛ فاتهم بتهمة هو بريء منها، إلا أنه لما آثر ما هو له، على ما هو له ولأمه، ابتلي ببلية لا ذنب له فيها؛ بل اطلع في وجه الفاجرة حتى أظهر الله بذلك كرامة عرفه الله غلطه في إيثاره صلاة النافلة على إجابة أمه.
*وفيه أيضًا دليل على أنه لا يجوز أن يسرع طاعن في مسلم بقول عن غير بينة، فإن هؤلاء لو كانوا عملوا بما أوجبه الله تعالى في شرعه، من أنه لا يقبل طعن في مسلم إلا ببينة لم يهدموا صومعته ولم يؤذوه.
*وفيه أيضًا من الفقه: أن جريجًا لما بلي بهذه البلية وعلم براءته منها، قوي إيمانه بالله عز وجل في أن يكشف كل لبس؛ فجاء إلى المولود فطعن في بطنه فقال: يا بابوس أو يا غلام، من أبوك؟ فقال: أبي الراعي، فكفر بصدق إيمانه، وحسن يقينه بالله سبحانه ما كان منه إلى أمه، فأنطلق الله الغلام ببراءته، حتى قال: أبي الراعي.
ولم يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الحالة إلا منبهًا لكل من جرى عليه تلبيس حتى يتفاقم أمره ويعظم، فإنه ينبغي ألا يستطرح، بل بفزع إلى الله عز وجل، فإن الذي أنطق المولود حتى بادر يسمع ويرى، ولم يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا سمرًا قط بل ليعمل به، فكانت هذه القصة جامعة لفضل الوالدة، ولكونها أجيب دعاؤها في مثل الولد الصالح مع كونه لم يشتغل عنها بمنكر ولا بمحرم، وإنما اشتغل بعبادة فجرى في حقه هذا.
*وفيه: أن الله تعالى قائم بالقسط، عند كشف كل إلباس.
*وفيه أيضًا: أن الله (53/ب) تعالى يجيب الدعاء عند السؤال.