وما فيه من النجاة والفوز في الآخرة، والغبطة والصلاح في الدنيا، دون توسط معلم أصلًا، أو قراءة كتاب، أو تلق من موقف، وهذا من أكبر معجزاته، بل مَنَّ عليه سبحانه بذلك من غير واسطة، وآتاه النبوة، فدعا قومه إلى الله سبحانه، وغيرهم فكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الله سبحانه كلهم، والالتزام لأمره، والأخذ بحدود شرعه، وجريان الأحكام عليهم، وترك ما هم عليه من مألوفات النفوس، ومحبوبات الطباع، ومجبولات الخلق إلى التكاليف الشرعية وتحمل أعبائها (41/ب) بلا مال، ولا أعوان، ولا حرس ولا سور، ولا قصر. من غير أن يمني أحدًا منهم ولاية، ولا ملكًا، فراسله الملوك، ودانت له العرب بعد حاله التي نشأ عليها، وأقروا بنبوته، وذعنوا برسالته لما بهرهم من صدقه، وظهر لديهم من معجزاته حتى اضطروا إلى الإيمان به.

ثم لم تتغير نفسه عليه بعد ذلك، ولا حالت سيرته عما كانت عليه، وكان على خلق عظيم، كما قال عز وجل، أعدل الناس، وأحلم الناس وأشجع الناس، وأعف الناس، وأكرم الناس، وأعظم الخلق تواضعًا على عظيم شرفه ومنزلته من ربه تعالى، وأشد الناس حياء، يجيب دعوة العبد والمسكين والأمة، تعصب لربه ولا تعصب لنفسه، وينفذ الحق على من توجه؛ وإن عاد ذلك بالضرر عليه، أو على أصحابه، عرض عليه الانتصار بالمشركين، وهو في قلة وحاجة إلى إنسان يزيده في عدد معه، فأبى، وقال: (إنا لا نستعين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015