عرضوا نفوسهم للقتل، وأولادهم للسبي، وأموالهم للتلف، وديارهم للخراب، ولو أحسوا في نفسهم قوة ومسكة لما وقفوا عندما وقفوا عليه من ذلك، فهل يصح أن مثل هذه الحالة الباهرة، وظهور هذه العجزة القاهرة، كانت بتعصب من أعداء النبي الأمي محمد - صلى الله عليه وسلم - لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، على تنائي أوطانهم، وتباعد أغراضهم، وتباين مقاصدهم أسلفت ذات بينهم، واصطلح أمرهم فالتأم شنانهم في القلوب والأبدان، وتواطئوا على بعد الآراء والأمكنة والأزمنة على أن يتعصبوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويحققوا قوله في هلاكهم، وخراب ديارهم، وقتل أنفسهم، وذهاب أموالهم في زمانه، وزمان أصحابه.
وبصروا على وقع السيوف والسهام، ويعجزوا أنفسهم عما تحداهم به مع قدرتهم عليه أو على بعضه حتى يتم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أمره، ويظهر صدقه، مع كونه هو - صلى الله عليه وسلم - نابذًا لهم كلهم، مجاهدًا بتكذيب جميعهم، وأنهم لا يقدرون على شيء مما تحداهم به أصلًا ومسجلًا عليهم بذلك، وهم مع ذلك قادرون على أن يدحضوا عنهم شيئًا مما لزمهم من العار؛ أو يدفعوا عنه بشيء مما تحداهم به شيئًا من هذه الأسباب الموله ولا يفعلون.
هذا مستحيل قطعًا غاية الاستحالة، ولكن الحق يبهر الخلق، ويملك النفوس، ويعجز الناس، ويأخذ بالقلوب، فهل يخفى هذا الحق الواضح الجلي (38/ب) على من له أدنى بصيرة، أو يتدبر عقله القرآن العظيم الذي أعجز الخلق، لا تنقضي عجائبه، ولا تذهب معجزاته، كما أن نبوته باقية بائنة لا معقب لنبوة ولا نسخ.
* فأما أهل العلم فإنهم لما سمعوه بأول وهلة، عرفوا أن الجن والإنس لا