الغيوث، ودفع السيول، وخزن الثلوج، من أجناس كل منها، لو كان على شكل الآخر لبطل المعنى المراد به فيه، ثم لما عدل فيها الهواء، لما جعله غذاء للأرواح بأن أجراه على يبس وبلل، معتدل ما بين بر وبحر، ليكون صالحًا لإنشاق الآدمي له، من حيث إنه يلائم طبعه، وجعل في هذه الدار قوت الآدمي، وسخر الشمس والقمر، والنجوم والكواكب، والليل والنهار، وجميع ما في هذه الدار لأجله وسببه.

فهي إذا نظر فيها المؤمن رآها كلها خدمًا له، ومسخرة لأجله، ثم إنه مع ذلك ينزعج عنها، وينقل منها، ولا يمكن من سكناها، فدل ذلك على أنها إذ ثبت فيها من الحكمة ما دل على حكمة صانعها، وأنه لا يخلق مثلها باطلًا ولا عبثًا، أنها ناقلة إلى دار أخرى مؤدية إلى مقر غير هذا المقر؛ لأنه إذا عمل عامل من الآدميين مأدبة، ثم لم يمكن أحدًا أن يأكل منها شيئًا، قالت له عقول العقلاء: لقد أضعت ما عملت، وأبطلت ما صنعت، فقال سبحانه وتعالى: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار}.

وكذلك قال سبحانه: {وما خلقنا السموات (81/ أ) والأرض وما بينهما لاعبين} أي: إن لم تكن ناقلة إلى البعث فذلك يكون- معاذ الله- لعبًا، فثبت حينئذ أن خلق السموات والأرض دال بمعنى وجوده على البعث بعد الموت، ثم تتبعت ما في القرآن من ذلك فوجدته بحمد الله شاهدًا صادقًا على ما ذهب إليه من ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015