السفر صغر كل ذلك، وكل كثير منها عند قول المؤمن: (الله أكبر)، ولذلك إذا ذكر ما وراءه من الأهل والوطن ورأى أن سفره لله في سبيله، فقال: (الله أكبر مما نزلت وأرى، والله أكبر مما أخاف من بين يدي) فقد تدرع بدرع حصينة في ذلك، فأما تكريره التكبير ثلاثًا: فواحدة لما بين يديه، وواحدة لما وراءه، وواحدة لحاله في نفسه.

*وقوله: {سبحان الذي سخر لنا هذا} أي ذلل لنا هذا المركوب، وذلك أن أول نعم الأسفار أن ذلل الله تعالى حيوانًا ذا أبد يحمل نقل الآدميين ولا يتجاوز أبده إلى الحد الذي يقهر راكبه، فجعل الله عز وجل ما سخر من الدواب بقوة تنفع راكبها ولا تبلغ إلى الحد الذي يقهره عن إذلاله.

*وقوله: {مقرنين} مطيقين، {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي راجعون في الآخرة، ومعناه إنه لما توجه إلى السفر كان من أعظم (125/ب) الأشياء خطورًا في قلبه ذكر انقلابه إلى أهله في الغالب، فأنزل الله عز وجل ما أنزل في هذه الآية من ذكره.

{وإنا إلى ربنا لمنقلبون} يعني أن المؤمنين إذا ذكروا منقلبهم إلى ربهم كان ذلك متلاشيًا معه ذكر ميلهم إلى أهلهم وأوطانهم في هذه الدنيا، ولذلك فلم يقل الله: فإنا إلى مواطننا في الآخرة منقلبون؛ لأن تلك المواطن مخلوقة أيضًا فأنزل الله سبحانه، وإنما إلى ربنا لمنقلبون أي حالتنا إذ لا مساواة بين الخالق والمخلوق عند المؤمن في حال.

*وأما قوله بعد هذا: (نعوذ بك من وعثاء السفر) بعدما قدم تقدم ذكره؛ فإن ذلك يدلل على إحكام القاعدة في العقيدة، وبناء الأمر على أساس الحق لا يمنع الاستعاذة من كل مكروه، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - بعدما كرره من التكبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015