وأما النخل فكثير، لكن إذا قيست ثمرته بثمرة نخل العراق وجدت كأنها قد طبخت طبخة، خرج بها معظم حلاوتها وبقيت ناقصة القوة، وممّا يسمّيه أهل العراق القسب يسمّيه أهل مصر التمر، وأما التمر بالعراق فيسمونه العجوة وقلّما تجد عندهم ما يشابه تمر العراق إلّا نادرا ويكون ذلك نخيلا معدودة تهدى تحفة.
وأما الماش هو المج، فلا يزرع بمصر أصلا وإنّما يوجد عند العطارين مجلوبا من الشام ويباع بالأواقي للمَرضى، وأما الذرة والدّخن فلا يعرفان بمصر اللهمّ إلّا بالصعيد الأعلى وخاصة الدّخن،
ومما تختص به مصر الأفيون وهو يجتني من الخشخاش الأسود بالصعيد وكثيرا ما يغشه جُناته، وربما غشّوه بالعذرة وعلامة الخالصِ منه أن يذوب في الشمس ويقِدَ في السراج بلا ظلمة، وإذا طفي تكون رائحته قوية والمغشوش يسوس سريعا، وأرسطو ينهى عن خلطه بدواء العين والأذن لأنّه يعمي ويصمّ.
ومن ذلك الأقاقيا، وهو عصارة ورق شجر القرظ وثمره يُستخرج ماؤه بالدقِّ
والعصر، ويُجعل في أوانٍ مرحرحةٍ تلقاء الشمس حتى يغلُظ ثم يقرص، هذا هو الخالص الخاص، وأمّّا العام يُجلب إلى البلاد، فأنه يؤخذ القرظ فيطحن ويُعجن بماء الصمغ ثم يقبض ويختم ويجفَّف، وشجرته هي السنط وتسمَّّى الشوكة المصرية، وورقها هو القرظ بالحقيقة ويُدبغ به الجلود، وعصارةُ القرظ التي يتّخذ منها الأقاقيا تسمّى ربّ القرظ ونساء مصر يشربن عصارته ونقيعه للإسهال.
والسنط شجرٌ عِظام جداً، له شوكٌ كثيرٌ حديدٌ صلب أبيض، وله ثمرٌ يُسمّى خروب القرظ مدور مسطوح مُشاكلٌ لحبّ الترمس، إلّا أنه متّصل كقرون اللوبيا وفي داخله حبٌّ صغار، وإذا اتخذ الأقاقيا من القرظ قبل كمال نضجه كان أكثر قبضا وأقوى على حبس الطبيعة، وإذا اتّخذ ممّا استحكم نضجه، لم يقوَ على حبس البطن، وعلامته أن يكون شديد السواد مُشرق اللون، وقال الدينوري: القرظ شجر عظام كشجر الجوز وخشبه صلبٌ كالحديد وإذا قدم اسودَّ كالأبنوس، وورقه يشبه ورق التفاح، وله حبلة مثل قرن اللوبيا داخلها حبٌّ يوضع في الموازين، ويُدبغ بورقه وثمره، ومنابته القيعان والجبال وحبلة القرظ أصغر من علف الطلح، وإذا رعته الإبل احمرت أفواهها وأدبارها حتى أبعارها، فتحسبها عصفرا قد جمع وتسمن عليه، وما كان من القرظ