فقد مكث صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة هو ومن آمن به من المهاجرين الأولين الذين هم أفضل الخلق، فلم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إلى حراء، ثم هاجر إلى المدينة واعتمر أربع عمر وحج حجة الوداع ومعه جماهير المسلمين، وهو في ذلك كله لا هو ولا أحد من الصحابة يأتي غار حراء، ولا يزوره ولا شيئاً من البقاع التي حول مكة ولم يكن هناك عبادة إلا بالمسجد الحرام وبين الصفا والمروة، وبمنى والمزدلفة وعرفات.

كما أنه لم يشرع لأمته زيارة موضع مولده ولا زيارة موضع بيعة العقبة ولا زيارة الغار الذي بجبل ثور ولا غيرها من الآثار. ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعاً ومستحباً يثيب الله عليه، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك ولكان يعلم أصحابه ذلك، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك علم أنه من البدع المحدثة التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة، فقد اتبع غير سبيلهم وشرع من الدين ما لم يأذن به الله 1.

فتعظيم هذه الآثار بتلك الوسائل مخالفة صريحة لسلف هذه الأمة كما يترتب عليه مشابهة الكفار في تعظيم آثار أنبيائهم وصالحيهم واتخاذها معابد ومزارات.

فإذا عظمت مثل هذه الآثار المذكورة وعبدت طرقها وعملت لها المصاعد واللوحات لا تزار كما تزار آثار عظماء الكفار وإنما تزار للتعبد والتقرب إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015