طولها: ثمان وسبعون درجة وخمس وعشرون دقيقة. وعرضها: اثنتان وعشرون درجة وعشرون دقيقة.
أنشأها الملك العادل سيف الدّين أبو بكر محمد بن أيوب على جبل " الطور " منيعةً حصينةً، فقصدها الفرنج لماَّ تبعوا الملك العادل سنة أربع عشرة ونازلوها، وحاصروها، ونصبوا عليها المجانيق، وبها الأمير بدرُ الدّين محمد بن أبي القاسم الكردي الهكّاري مُركز. فلما نزل الفرنج عليها نزل إليهم وقاتلهم، فطعن منهم فارساً، وطعنه الفارس فماتا معاً.
ثم إنهم عجزوا عنها فرحلوا، وخرّبها الملك العادل بعد ذلك.
منها صُور وهي مدينة حسنة حصينة، يحف البحر منها بثلاث جهات. ولها ربضٌ يُعمل فيه الزجاج الُمحكم، والفخار.
قال البلاذري: " فتح شرحبيل عكَّا، وصُور، وصفوريّة ". وقال أيضا: " إن أبا عبيدة وجه عمرو بن العاص إلى سواحل الأردن، فكسرتهم الروم، وجاءتهم المدد من ناحية هرقل، فكتب عمرو إلى أبي عبيدة يستمده، فوجه أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان، وعلى مقدمته معاوية أخوه، ففتح يزيد وعمرو سواحل الأردن: صور وعكا ".
وفي سنة اثنتين وأربعين: نقل معاوية من فرس بعلبك وحمص وإنطاكية إلى سواحل الأردن صور وعكا. ورمّهما عند ركوبه إلى " قبرس " ثم إن عبد الملك بن مروان جدَّدهما، وقد كانتا خربتا.
ولم تزل في صور - على ما حكيناه - من تنقل ولايات جُند الأردن في أيدي الولاة إلى أن ملك العُبيديون مصر ودمشق، وما بينهما من البلاد، فولَّوا في الثغور ولاة من جهتهم، وأقطعوها من الأعمال، ورتبوا فيها غزاةً براً وبحراً.
وجرى الأمر في " صور " على ذلك.
فلما كانت سنة سبع وثمانين عصى أهلها على " الحاكم "، وقتلوا أصحابه فيها، وولَّوا عليهم رجلاً ملاحاً من البحرية يعرف " بعلاّقة ". فندب إليهم " أبا عبد الله الحسين بن ناصر الدولة " و " ياقوت الخادم " وجماعة من عبيد الشرا. وسير في البحر قطائع مشحونة بالرجال والعدد، وأمر أهل " أطرابلس " و " صيدا " بالمسير إليها، فاجتمع الروم، وكتب إليه يستنجده، فأنفذ إليه أسطولاً مشحوناً بالمقاتلة. ووقع القتال بين الفريقين، فهزم الله فريق الفرنج، فأخذت أكثر مراكبهم. وفُتحت أكثر مرابكهم. وفُتحت البلد عنوة، ونُهبت، وأسر " علاقة " وجماعة من أصحابه، وحُمل إلى " مصر " فسُلخ حيا وحُشي جلده تبنا، وصٌلب، وقُتل أصحابه صبراً.
وولّي " صور " أبو عبد الله الحسين بن حمدان. وجرى الأمر في النّواب، على ما حكيناه، إلى أن تغلب عليها قاضيها عينُ الدَّولة ابن عقيل. وعصى فيها واستبدّ بها، وخلع طاعة " المستنصر ". وذلك في سنة وخمسين وأربعمائة، فسيرّ إليه من مصر أمير الجيوش بدر المستنصري. فحاصر " صور " وضايقها، فاستنجد عين الدولة قُرلو التركي فرحَّل " بدراً " عنها بعد أن أشرف على أخذها. واستمرت في يد عين الدولة، إلى أن مات في سنة خمس وستين.
وتولى بعده ولده " نفيس " ومعه أخواه، وأصروا على العصيان، إلى أن خرج عسكر من مصر في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة إلى " صور " ومقدمه منير الدولة الجيوشي فعجز أولاد عين الدولة عن مدافعته وممانعته، فسلَّموها له، وتولاّها.
ولم تزل في يده إلى أن عصى فيها على " الُمستعلي "، فجهز إليه منْ مصر عسكراً، وكان أهل " صور " قد كرهوا خلفه وعصيانه، فحين اشتد القتال نادوا بشعار " المستنصر " وأمير الجيوش، فهجم العسكر البلد، وأسروا " منير الدولة " وخلقاً ممن تابعه على العصيان. وحُملوا إلى مصر في اليوم الرابع عشر من جمادى الأولى سنة ست وثمانين وأربعمائة، فضُربت رقابُهم، ولم يعف عن أحد منهم، وقُطع على أهل البلد ستّون ألف دينار جناية.
وولّي فيها رجلٌ يعرف " بالكتيلة " فأقام فيها إلى أن عصى بها على " المستعلي " سنة تسعين. فخرج إليه عسكرٌ من مصر في أول شهر رمضان، فنزل عليها، وحاصرها حتى فتحها عنوة، وقتل خلقا من أهلها، وأخذ " كُتيلة " أسيراً، وحُمل إلى مصر، وقتل بها، ووُلي " بصورة " والٍ.
ولم تزل في أيديهم أن بلغ واليها عز الملك أنوشتكين عزم بغدوين على قصد " صور "، فبادر بمراسلة أتابك ظهير الدّين طغتكن أمير دمشق يستصرخه ويستنجده، ويبذل له تسليم البلد إليه، وسأله المبادرة والتعجيل، فبادر ظهير الدين بانفاذ عسكر من الأتراك إلى " صور " وأردفهم بخلق من العرب.