وبقي في يده إلى أن أعطاه فيما أعطى من الحصون للفرنج في الهُدنة التي كانت سبباً لإبقاء دمشق في يده في أول سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ولما أمر نائبه فيه بتسليمه للفرنج أبي وامتنع وقال: " والله، لا جعلته في صحيفتي ". فسار إليه وضربه حتى قتله، واستأصل ماله، وهو الحاج موسى، وكان أولاً مشارف مطبخ الملك الصالح، فقرب منه وكان واليّا للشقيف من قبله، وكان معه معتمد يقال له " الشهاب أحمد الشقيفي ".
فلمَّا علم من بالحصن أن الملك الصالح قد عزم على تسليمه للداوية، اجمعوا رأيهم على عدم تسليمه للفرنج، وعصوا به، وكاتبوا الملك الناصر داود ابن الملك المعظم صاحب الكرك، فسير عليهم من بعض أصحابه رجلا يقال له فخر الدين العيداني يصعد إلى القلعة، ونادوا بشعار الملك الناصر صاحب " الكرك ".
فلمّا تحقق الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل صاح دمشق إذ ذاك حميتهم للمسلمين، وانتصارهم للدّين خرج بعساكره، ونازل الحصن وضايقهم حتى أخذه. وطلبوا الأمان منه، وقالوا: " أنت أمَرْتنا أن نُسلمه إلى نُوَّابِ الداويّة، ونحن فما يحل لنا أن نسلمه للفرنج، ونحنُ نسلمه إليك، وأنت تفعل فيه ما تختار " فتسلمه الدَّاويةّ.
ولماّ تسلَّموه لم يزل بأيديهم إلى أن قصده مولانا السلطانُ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي، فنزل عليه بعد أخذ " يافا " يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رجب سنة ست وستين وستمائة. ونصب عليه المجانيق.
واتّفق أن السلطان أتي بقاصدٍ من أهل " عكا " معه كتب إلى من بالحصن، يهوّنون عليهم أمر العسكر، ويُوصفهم بحفظ أماكن في الحصن يُخشى عليهم منها. فاستدعى السلطان من يكتب بالفرنجي، وأمره أن يكتب كتابا ذكر فيه أمارات هي في الكتاب الذي وقف عليه. وحذر الكمندور صاحب الحصن منْ وزيره، وكتاباً آخر إلى الوزير يحذره من الكمندور، وأوصل الكتابين إليهما بحيلة. فحين وقفا على كتابيهما وقع الخلف بينهما، والحصار مع ذلك ملازم لهم. وألجأهم الخلف إلى أن راسلوا، وقرروا معه تسليم الحصن، بشرط أن يبقى عليهم نفوسهم. فأجابهم إلى ذلك، وتسلم الحصن يوم الأحد تاسع عشري رجب، واصطنع الكمندور المذكور.
ورتب فيه عسكراً، ورحل عنه عاشر شعبان، وكانت عدة من " بالشقيف " أربعمائة وثمانين رجلاً واثنين وعشرين أخا من الداوية. وحملهم السلطان على الجمال إلى " صور "، وسير معهم من يحفظهم.
حكمه حكم " شقيف أرنون ". لم يزل في يد منْ ملك شقيف ارنون إلى أن تسلمه الفرنج فيما تسلموه من الملك الصالح إسماعيل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
فلم يزل في أيديهم إلى أن ملك الملك الناصر صلاح الدّين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غياث الدين غلزي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب - صاحب حلب - دمشق، في ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين وستمائة. فسير عسكر مقدمة سعد الدين بن نزار متوالي " صيدا " فنول عليه، وانتزعه من يد الفرنج.
ولم يزل في يد نواب الملك الناصر المذكور إلى أن خرج من دمشق في صفر سنة ثمان وخمسين، واستولى التتار على دمشق، فقصده شهاب الدين بن بُحْتر من قبل التتر، ونزل عليه، وضايقه بالرجال فسلمه الوالي إليه، وأخربه.
ولم يزال خراباً إلى أن ملك الملك الظاهر ركن الدين بيبرس دمشق في صفر سنة تسع. فأمر بعمارته وحمل إليه زردخاناه وذخائر.
وهو في يد إلى حين وضع هذا التاريخ.
طولها ثمان وخمسون درجة. وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. وهي كما قال الاصفهاني: راسية، راسخة، شماء، شامخة.
قصدها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فنازلها بالعدة والعديد. والأيد العتيد. والبطش الشديد. فلما رأى من فيها من الفرنج أن لا طاقة لهم بمزايلته. ولا دفع لمنازلته. أذعنوا إلى الأمان. فتسلمها في منتصف ذي القعدة سنة أربع وثمانين. وأنعم بها على الأمير صارم الدّين قايماز النجمي.
وبقيت في يده إلى أن مات في أيام العادل، فأقطعها عز الدين أسامة. ولم تزل في يده إلى أن قبض العادل، سنة سع وستمائة، وأقطعها ولده الملك المعظم. وبقيت في يده إلى أن أخربها لما خرب " صفد " و " القدس " خوفا عليها من الفرنج.
ولم تعمر بعد.