ذكر حصون هذا الجند صفد

فلم تزل في يده إلى أن خرج الملك عنه لأخيه الملك العادل سيف الدين سلامش، ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر من سنة ثمان وسبعين. وولي أتابكية الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي، سير إليها نواب الملك العادل فلم تزل في أيديهم إلى أن جلس السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون المذكور على تخت الملك، يوم الثلاثاء حادي عشري شهر رجب، من سنة ثمان وسبعين، فسيرَّ إليها نوّابه، واستمرت بأيديهم.

ذكرُ حصون هذا الجند

صفد

كانت أولاً تلاً. وكان على التل قريةٌ عامرة، تحت " برج اليتيم ". وما زالتْ في أيدي المسلمين إلى أن استولى عليها الفرنج فيما استولوا عليه من البلاد الشامية، فبناها الداوية في سنة خمس وتسعين وأربعمائة.

لم تُذكر في شيء من الكتب الموضوعة في التاريخ في صدر الإسلام.

وهي قلعة حصينة على جبل يحتف به جبال وأوديةٌ. طولها: ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة. وعرضها: اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.

فتحها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد حصار شديد بالأمان، في رابع عشر شوال سنة أربع وثمانين. وأنعم بها على سعد الدين مسعود بن مبارك بن تميرك. فلم تزل في يده إلى أن مات في سنة ثمان وستمائة. وانتقلتْ إلى ولده فتح الدين أحمد.

وبقيت في يده مدةً يسيرة، إلى أن أخذها منه الملك المعظم شرف الدينّ عيسى. وأعطاه سبعين ضيعةً من خبز الصخرة من نابلس والقدس، عوضا عنها وعن طبرية. ثم أعطاه إياها خارجا عن " طبرية ".

فبقيت في يده إلى سنة ست عشرة وستمائة. فأخذها منه وسلط عليها وعلى القدس يد النقض. وخلط لهما بالعرض. وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة.

وسبب أخذها وخرابها: أن الفرنج لما ملكوا " دمياط " في سنة خمس عشرة، خاف أن يعجز " فتحُ الدين " عن حفظها من الفرنج.

وبقيت خرابا، وبلادُها في يد منْ يملك دمشق لا يهتم ببنائها ملك، إلى أن أعطاها الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك العادل للفرنج، فيما أعطاهم من البلاد، في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

فلمَّا ملكوها استدعوا أسرى من المسلمين الذين كانوا في بلاد الفرنج " وكانوا ألف نفس، والفرنج " دون المائتين فاجتمع الأسرى وعزموا على الوثوب بالفرنج.

ثم إنهم فكّروا أن لا بدّ لهم من ملجأ يلجئون إليه، ويعتمدون في الذب عنهم عليه. فكتبوا إلى الأمير سيف الدين عليّ ابن قليج النوري وهو إذ ذاك في قلعة " عجلون " من قبل الملك الناصر داود ليكتب إليه في أن يأمرهم بالوثوب على الفرنج، ويبعث إليهم من يتسلم الحصن، فبعث سيفُ الدين إلى الملك الناصر داود ابن الملك المعظم صاحب الكرك إذ ذاك الكتاب. فلما وقف عليه سيره إلى الملك الصالح عماد الدين إسماعيل فأرسله إلى الداوية، فلمّا اطلعوا عليه أخذوا الأسرى ودخلوا بهم " عكا " فذبحوهم عن آخرهم لا جزاه الله خيراً وأعظم لهم أجراً -.

فبمثل هذه الحسنات - أي التي حصلت لهم - تُرقم الصحائف. ويستمطر بأكفها سحب اللطائف. ثم عمروها بمساعدة الملك الصالح لهم، ولم تزل في أيديهم إلى أن قصدها الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحيّ صاحب الديار المصرية والشامية. ونزل عليهما في ثامن شهر رمضان سنة أربع وستين. ونقل إليها المجانيق من دمشق، وبانياس، وعجلون، ونصبها، ونصب الستائر من تاريخ النزول إلى ثاني شوّال.

ووقع الزحف عليها واشتد القتال والحصار، وأخذت عليها النقوبُ من كل الجهات حتى ملكت الباشورة يوم الثلاثاء خامس عشر شوال. ونصبت السلالم على القلعة، والسلطان يُباشر القتال بنفسه، ويدخل في النقوب، لا يستظل بخيمة، ولا يجلس لراحة، تقع حجارة المنجنيق من القلعة إلى جانبه، لا يصده ذلك عن غرضه. ولا يمنعه عن القيام بشؤون الجهاد ومفترضه.

فلما تحقق من فيها أن لا ملجأ لهم منه إلاَّ إليه أذعنوا بالتسليم. فشرط عليهم أن يسلموها بما فيها، ولا يأخذوا منها شيئاً دقّ ولا جلَّ. فأجابوا.

ورفعت على الحصن سناجق السلطان. ووقف بنفسه الكريمة على بابه، حتى يخرج من فيه بمراى منه. فلما لمْ يبقى منهم أحد، دخل إليه ملك الأمراء بدر الدين الخزندار، وتسلمه فاطلعه جماعة من اتباعهم، أنهم أخذوا من الحاصل شيئاً كثيراً، فأمر بتفتيشهم، فوجد معهم أشياء نفيسة، فأخذت منهم، وضربت رقابهم صبراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015