وبقي في بانياس نائبه إسماعيل فأرسل إلى الفرنج يبذل لهم تسليم الحصن ليأمن بهم. فوصلُوه، وتسلَّموه منه، وأقام تحت أيديهم حتى هلك في أوائل سنة أربع وعشرين. فاستولى عليه الفرنج وبقي في أيديهم، إلى أن سار إليه شمس الملوك إسماعيل ابن تاج الملوك بوري بن ظهير الدين طغتكين الأتابك، ونزل عليه يوم الأربعاء رابع عشري المحرم سنة سبع وعشرين وخمسمائة.

وذكر بعض جماعة أن قلعة " الصبيبه " بُنيت بعد مُلكها الفرنج سنة أربع وعشرين، وهم الذين أنشأُها. فملكه عنوة في يومه بعد قتال وحصار.

وبقي في يده إلى أن سَّلمه شهاب الدين محمود ابنُ تاج الملوك بوري، لما ملك دمشق لفلك بن فلك صاحب بيت المقدس سنة أربع وثلاثين.

وبقي في يد الفرنج إلى أن ملك الملك العادل نور الدين محمود دمشق في سنة وأربعين وخمسمائة فنزل على بانياس، فاخذ في يوم الاثنين مستهلّ ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وبقيت في يده إلى أن مات وانتقلت لولده الصالح إسماعيل.

فلم تزل عليها إلى أن استولى عليها فيما استولى عليه من البلاد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فأعطاها ولده الأفضل لما أعطاه الشام.

وبقيت في يده إلى أن استولى عليها الملك العادل عند أخذه دمشق، فأقطعها ولده العزيز عُثمان. وبقيتْ في يده إلى أن توفي في شهر رمضان سنة ثلاثين وستمائة.

وملك بعده ولدهُ الملك الظاهر. ثم توفيّ في بقية السنة وولي بعده أخوه الملك السعيد.

وبقيتْ في يده إلى أن أخذها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل في سابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وستمائة.

ولم تزل في يده إلى أن توفي فخرج الملك السعيد من مصر وتسلم القلعة من غلمان أبيه، وكانوا بها من جهة الملك الصالح.

وبقي فيها إلى أن ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد دمشق، فخاف منه فخرج عن القلعة إلى مصر.

وبقيت في يد نوابه. ثم إنه خرج من مصر، فقبض عليه عسكر السلطان الملك الناصر فحملوه إليه، فحبسه في قلعة " البيرة، وبعث إلى القلعة من تسلمها في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وستمائة.

وبقيتْ في يده إلى أن انقرضت دولته، واستولى التتر على البلاد في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأخرجوا الملك السعيد من " البيرة "، واحسنوا إليه وأعطوه " بانياس ".

وبقيت في يده إلى أن كسر الملك المظفر قُطُز التركي المعزي صاحب مصر التتر في رمضان من السنة، وأخذ الملكُ السعيد أسيرا فيمن أخذ من الأسرى، فقتل صبراً فإنه كان على المسلمين أشد من التتر، وكان قد تنصر في هوى زوجة " هولاكوا "، وعلق في صدره صليباً، وكتب عليه: " حبيس المسلمين طليق التتر ".

وتسلم الملك المظفر " بانياس " فيما ملك من البلاد وبقيت في يده إلى أن قتل في بقيت السنة، وملك مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس البلاد استولى عليها بعد أن تسلم دمشق في صفر سنة تسع وخمسين وستمائة.

وبقيت في يد نوابه إلى أن خرج - أعز الله نصرته وجعل الملائكة أسرته - في بقية السنة التي ملكها فيها إليها.

فعقد فيها للمولى الأمير الكبير ملك الأمراء بدر الدين " بيليك الخزندار الظاهري مملوكه على بنت بدرِ الدين " صاحب الموصل، وملكه " بانياس "، فولى فيها من قبله، وذلك في العشر الأول من شوال من السنة، يجتلب دور خيرها. ويجتلب دور ميرها. ويجتني قطاف ريعها. ويجتلي ألطاف ربعها. وتلك نعمة يمنها عليه أن عبد له رقاب رعيته. وذلل له صعب الدهر بما أخلص له من طويته. وكيف لا ينيله رتبةً تبعد عن الأطماع منالها. ويُحلهُ منزلة يودّ من في الأفلاك أنهم نُزالها، وهو ذو الهمة التي سمت على الهمم. وهمت بمكارم الشيم. وامتاز بها عن أقرانه. وجُعلت علما في برد قرانه.

ثم لما توفي الملك الظاهر، وولي الأمر من بعده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان ولده، صارت إليه بعد وفاة والده في ثامن عشري المحرم من سنة ست وسبعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015