وأما بحيرتها: فطولها اثنا عشر فرسخاّ، وعرضها فرسخان. ماؤها حلو، يخرج منه " نهر الأردُنّ " المعروف " بالشريعة "، ويصبّ في البحيرة الميتة.

وهذه البحيرة في طرف الغور، لا يعيش فيها حيوان ولهذا سُميت بالميتة، وبعض الناس يسميها بالمنتنة.

ويقال إن موضعها ديار قوم لوط. طولها: ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها: اثنتان وثلاثون درجة. صاحب ساعة بنائها المريخ، وطالعها الدالي وزحل.

قال البلاذري: " افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة، خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم بعد حصار أيام. ثم إنهم نقضوا الصلح في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأمر أبو عبيدة عمرو ابن العاص بغزوهم، فسار إليهم في أربعة آلاف، ففتحها على مثل فتح شرحبيل. وقيل بل فتحها شرحبيل ثانية بغير قتال ".

لم تزل طبرية في يد من يلي الجند منذ فُتحت إلى أن كانت دولة المستنصر العُبيدي صاحب مصر. وفيها قصدها أتسز بن أوق التركي فملكها، وذلك في سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وبقيت في يده إلى أن قتله تاج الدولة تتش، وأخذ منه دمشق، واستولى على ما كان بيده من البلاد.

ولم تزل في يده ولده شمس الملوك دقاق من بعده إلى أن قصده الفرنج بلاد الشام في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، فملكوا القدس وما صاقبها من البلاد. فخرج ظهير الدين طغتكين أتابك شمس الملوك دقاق إلى " طبرية "، فأخرج منها مصحفا كان فيها من المصاحف التي سيرها عثمان - رضي الله عنه - إلى الأمصار. وحمله إلى دمشق، وكاني يوم دخوله إليها يوماً مشهوداً.

ثم ساروا إليها فملكوها. وبقيت في أيديهم إلى أن وقع ظهير الدين بجرفاس القومص صاحب طبرية في شوال سنة إحدى وخمسمائة، وقرر قحف رأسه، وشرب به الخمر وهو ينظر إليه، وعاش ساعة ثم مات. ولم يملك طغتكين " طبرية ".

وبَنَت الفرنج في طبرية قلعة - لما ملوكه - على بحيرتها. ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها السلطان الملك الأشرف الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.

وأقطعها الأمير سعد الدين مبارك بن تميرك، وملم تزل في يده مدة أيام الملك الناصر، وبعده في أيام ولده الملك الأفضل وبعض أيام الدولة العادلية، إلى أن توفي سعد الدين المذكور سنة ثمان وستمائة.

وانتقلت إلى ولده فتح الدين أحمد، فانضم إلى خدمة الملك المعظم شرف الدّين عيسى ابن الملك العادل، فقايضه بصفد وطبرية، تسعين قرية من خبز الصخرة بنابلس والقدس.

واستمرت طبرية في يد نواب الملك المعظم شرف الدين عيسى إلى أن توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة. وملكها بعده ولدهُ الناصر داود.

ولم تزل في يده إلى أن خرج الملك الكامل من الديار المصرية فملكها. ولم تزل في يد نُوابه إلى أن توفي في رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، واستولى عليها الملكُ الجواد بحكم النيابة عن الملك العادل ابن الملك الكامل.

ولم تزل في يد الملك الجواد إلى أن قايض دمشق بسنجار وملك الملك الصالح نجم الدين أيوب " طبرية "، واستمرت في يده إلى أن قبض عليه، وحمل إلى الكرك، وملك الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل دمشق وطبرية. وأعطاها الملك الصالح عماد الدين إسماعيل للفرنج فيما أعطاه من البلاد، في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة فعمروها.

ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها عسكر الملك الصالح نجم الدين أيوب عنوة، على يد وزيره ومقدّم جيوشه معين الدين بن الشيخ. وبقيت خراباً وبلادهما في يد الملك الصالح نجم الدين أيوب، إلى أن توفي في شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة.

وملكَ بلادَ طبرية الملك المعظم تورانشاه ولده، فلم تزل في يده، إلى أن قتل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة. وملك دمشق الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد بن غازي بلادها، والمدينة خراب.

ولم تزل في يد الملك الناصر إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة، صالح الكند إسطبل على أن تكون " طبرية " مناصفة، وكان نُصفها للفرنج ونصفها للملك الناصر. واستمر ذلك إلى انقضاء الدولة الناصرية في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة. فاستولى عليها التتار فيما استولوا عليه من البلاد. ولم تزل في أيديهم إلى أن كسروا في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015