ولم يزال متغلباً إلى أن ولي المُعتد الخلافة، فبعث إليه " أماجور " بجيش فأخرجه عن البلاد، واستولى على ما كان بيد " أماجور "، وولى فلسطين والأردن محمد بن رافع وبقيا في يده إلى أن خرج أحمد بن طولون من مصر وسار إلى " الرملة " قتلقاه محمد بن رافع سامعاً مطيعاً فأقرَّه على ولايته.
ولم تزل في يده إلى أن توفي أحمد بن طولون، في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين وتولّى ولده خُماريه، فأظهر محمد بن رافع الخلاف عليه. ودعا لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق فجهز خمارويه محمد بن أحمد الواسطي وسعيداً الأيسر، فقصدا فلسطين والأردن وطردا ابن رافع عنهما.
فوصل المعتمد إلى دمشق. ثم توجه إلى مصر وخرج إليه خمارويه منها، فالتقيا في ذي القعدة على " الطواحين " من عمل فلسطين الساحل. وهذه الواقعة تعرف " بالطواحين " فانهزم خمارويه، ثم تراجع، ووقعت الكسرة على " المعتمد " واستولى " خمارويه " على الأردن وفلسطين.
ولم تزل في يده نوابه إلى أن قتل بدمشق في ذي القعدة، سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وولّي بعده ولداه أبو الجيش، ثم هارون.
ولم يزل الأردن وفلسطين في أيديهما إلى سنة سبع وثمانين. وفيها قصد الشام عليّ بن عبد الله القرمطي واستولى على فلسطين، فسير هارون من قبله عسكرا كسر القرمطي واستولى على الجنديْن، وولّى فيهما مولاه صوارتكين.
وبقيا في يده إلى أن بعث المكتفي محمد بن سليمان الواثقي، ودخل دمشق. ثم خرج منها وسار إلى الأردن وفلسطين فسلمها له صوارتكين فولى فيهما أحمد بن كيغلغ ثم عاد إلى بغداد.
فاستخلف عليهما أحمد بن كيغلغ يوسف ابراهيم، فقصد القرامطة بلاد الشام واستولوا على الأردن، وقتلوا يوسف وذلك سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فقصده عسكر المكتفي فطرده عن البلاد.
وعادت إلى نواب أحمد بن طولون واستمرت في أيديهم إلى أن عقد المقتدر لولده أبي العباس وهو ابن أربع سنين على الشام ومصر، وولى عليهما نيابة عنه مؤنس المظفر وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة.
ثم صارت إلى محمد بن طغج الإخشيد في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم تزل في يديه إلى أن وصل محمد بن رائق إلى دمشق من قبل الرّاضي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. ثم خرج منها واستولى على الأردن وفلسطين، فخرج إليه الإخشيد من مصر وهزمه وأسر ولده. ثم تدعيا إلى الهدنة على أن تكون فلسطين للأخشيد مع مصر، ويكون الأردن لمحمد بن رائق.
ولم يزال الأمر فيهما على ذلك إلى أن قتل ابن رائق، فولى المتقي الإخشيد أجناد الشام ومصر.
ودامت ولايتها في يده وفي يد عقبة من بعده إلى أن ملك القائد جوهر مصر، وخرج منها إلى الشام. وكان إذ ذاك متولياً على دمشق والأردن وفلسطين الحسنُ بن عبد الله ابن طغج. فلما بلغه ذلك خرج إلى " الرملة " في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فقصده " جوهر " وكسره وأسره، واستولى على فلسطين والأردن ودمشق.
ولم تزل في يده إلى أن استولى الحسين القرمطي على الأردن وفلسطين في سنة ستين. وبقيا في يده إلى أن كسر على القاهرة في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واستعيدت البلاد.
ولم يزل جندُ الأردن وفلسطين يليهما نواب العبيديين أصحاب مصر، وجرى الأمر على ذلك إلى أن تغلبت الترك على الشام، فتفرقت بلادها في أيدي المستولين عليها.
وهذا الذي سقناه قول مجمل تدعونا الضرورة إلى تفصيله.
فأما بلاد جند الأردن فان بلادها قسمان كما قلنا فيما حكيناه عن أبي يعقوب: بَرّيَّة وبحرية.
وقصبته طبرية: قرأت في تاريخ " محبوب بن قسطنطين " ما صورته: " ملك طبياروس قيصر ثلاثاً وعشرين سنة، وكان عمره ثمانيا وسبعين سنة. وفي أول سنةٍ من مُلكه عرضت زلازل عظيمة، وسقطت منها مواضع كثيرة. وفي السنة السابعة من ملكه بنى " هرودس " مدينة، وسماها طبرية على اسم طبياروس الملك.
وهي في سفح جبل مطل على البحيرة المنسوبة إليها، وعليها سور حصين. وبها حمامات تنصب إليها مياه حارّة من حمامات في الشتاء والصيف. ماؤها في أول خروجه يسمط من الجلد ويسلق فيه البيض. ومن خارجها أيضا حمامات يقصدها أرباب العاهات من المجذومين والمجروبين والمفلوجين فيتعالجون بالاستحمام بمائها، فتزول عنهم أوصابهم.