وتسلمها ولده سيف الدين محمد. فلما ملك الملك العادل " نور الدين محمود " دمشق، أخذها منه بعد امتناع وحصار، وعوضه عنها حصن " بو قبيس "، وذلك في شوال من السنة.
وأما بصرى فاستمر فيها فارس الدولة إلى أن قتله فيها زوج ابنته ابن الحاجب حوله في المحرّم سنة خمس وخمسين وخمسمائة، واستولى عليها.
فأخذها منه الملك العادل وأعطها وصرخد لغلامه صديق. وما زالا في يده إلى أن قتله ابن أخته في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، واستولى عليهما.
فاحتال عليه صلاح الدين وأخذهما منه لماّ ملك دمشق، وولّى فيهما من قبله، وما زالا في يده أن فرّق البلاد بين أولاده وأقاربه، فأعطى الشام لولده الملك الأفضل خلا " الكرك " فانه كان للملك العادل فدخل صرخد وبصرى فيما صار في حوزه، فأنعم على أخيه " الظافر " ببصرى. ولم تزل صرخد في يده مع غيرها إلى أن قصد أخوه الملك العزيز صاحب مصر وعمّه العادل، وأخذا منه دمشق في رجب سنة اثنتين وتسعين.
واستبد العادل بدمشق وأعمالها خلا " صرخد " فإنه أقرها في يده، وأخذ " بُصرى " من الملك الظافر.
ولم تزل " صرخد " في يد الأفضل إلى أن توفي الملك العزيز بمصر، وترك ولداً صغيراً جعله ولّي عهده ولقبه الملك المنصور، وأوصى للملك الأفضل بتدبيره وكفالته. فسار إلى مصر في المحرم سنة خمس وتسعين. ثم خرج منها في شعبان إلى دمشق، وحاصر الملك العادل فيها - كما حكيناه في أمراء دمشق - ثم عاد إلى مصر فسار الملك العادل، إليه، وأخرجه منها وعوّضه عنها " سُميْسَاط " وغيرها، مضافة إلى " صرخد ".
فلما وصل إلى الشام جمع غلمان أبيه ووعدهم وعوداً ضمن لهم الوفاء بها إن ساعدوه على أخذ دمشق. وعجّل من وعوده " صرخد " لزين الدين قراجا، وذلك في سنة سبع وتسعين فولّى فيها من قبله. ثم غدر بالأفضل، وصار إلى الملك العادل في سنة ثمان وتسعين.
وعجز الأفضل عن حصار دمشق، فصالح الملك العادل، وسار إلى حمص فأخرج زين الدين نساءه وحريمه من " صرخد ".
ولم تزال صرخد في يد قراجا إلى أن توفي سنة أربع وستمائة، وبقيت في يد أولاده إلى سنة إحدى عشرة فأخذها الملك المعظّم بمرسوم أبيه الملك العادل. وبقيت في يده مدة، ثم أنعم بها على غلامه عز الدين أيبك.
ولم تزل في يده إلى أن حاصر الملك الكامل دمشق وفيها الملك الناصر داود ابن الملك المعظم، وعز الدين أيبك. فلما لم يكن للملك الناصر طاقة به بذل له تسليمها على شروط قرّرها، منها: إبقاء صرخد على عز الدين أيبك، فأجابه إلى كل ما التمسه خلا عز الدين.
وألجأت الملك الناصر ضرورة إلى تسليم دمشق، فلما تسلّمها الملك الكامل خاف عز الدين واستجار بفخر الدين ابن الشيخ.
فلما ركب الملك الكامل في موكبه ركب عز الدين فيه، ولما عاد ونزل دار السعادة، دخل في جملة الأمراء. فلما وضع السماط وجلس الأمراء في مراتبهم، بقي عز الدين قائماً فالتفت الملك الكامل إلى فخر الدين، وأمره أن يأمر عزّ الدين بالجلوس إلى جانبه، فجلس محتشماً، فقال فخر الدين للملك الكامل: إن الأمير عز الدين يريد أن يأكل من الخافقية التي بين يدي السلطان، فرفعها بيده وناوله إيّاها، فقام وقبّل الأرض.
فلمّا فرغ السماط، وخرج الأمراء، وقام الملك الكامل، ودخل إلى الحجرة، وتقدّم إلى جوهر النوبيّ الخادم بأن لا يترك عز الدين يخرج، فاستشعر عزّ الدين القبض عليه، وأقام حتى خرج إليه ومعه ما كان على الملك الكامل من اللباس فألبسه إياه ثم أخذ بيده، وأدخله عليه، فقال له الملك الكامل: " يا عزّ الدين، ما أردت أن يكون للملك النَّاصر عليك منّة. أنا أحق بها منه ". وأمر له بعشرة آلاف دينار وألف قطعة قماش، وأذن له في المسير إلى " صرخد ". فلما خرج قدّم له مركوب السلطان الذي نزل عنه.