وصارت البلاد في يد مولانا السلطان الملك الظاهر بعد قتل الملك المظفر، وتغلّب الأمير علم الدين سنجر الحلبي على دمشق، ونُعت بالملك المجاهد ولّي في بعلبك وبقيت في يده إلى أن قُبض عليه وحمل إلى مصر في سادس عشر صفر من سنة تسع وخمسين وستمائة.
وملك السلطان الملك الظاهر دمشق وبعلبك فيما ملك من البلاد، فأمر بعمارة قلعتها وتشييد سورها وبناء دورها، وقوّاها بالعَدَدِ والعُدَد، وشحنها بما لم تسمح به نفس أحد، ونوّابه متصرفون فيها إلى الوقت الذي وضعنا فيه كتابنا هذا وهو سنة أربع وسبعين وستمائة.
ولم يزل الولاة من قبله عليها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى، وانتقلت جميع الممالك إلى ابنه السلطان الملك السعيد بعهدٍ من والده. فأقر الوالي الذي من جهة والده على حاله وهو نجم الدين حسن أحد رجال الحلقة المنصورة بدمشق المحروسة.
وأول من ولي عليها من قبل السُّلطان الملك الظاهر - رحمه الله تعالى - عزّ الدين أيبك الإسكندراني الصالحي ثم نقل إلى الرحبة. وولي كمال الدين إبراهيم بن شيت إلي أن توفي بحلبا في حادي عشر صفر سنة أربع وسبعين وستمائة. وولي نجم الدين ُحسن واستمر به السلطان الملك السعيد بعد أبيه - كما قد ذكرنا - إلى أن خرج الُملكُ عن الملك السعيد الى أخيه الملك العادل سيف الدين سُلامش وتسلّم المُلك الملك المنصور سيف الدّين قلاوون الألفي العلائي أتابكا. فسير عليها نوّاب الملك العادل، فلم تزل بها إلى أن جلس السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون المذكور على تخت الملك، يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر رجب في سنة ثمان وسبعين، فسيّر إليها نوابه واستمرت في يده.
كورة حوران
وقصبتها بصْرى
وهي مدينة على سيف البرية، لها ذكر في حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأنه دخلها قبل بعثته، وهو تاجر لخديجة، وفيها لقي بُحيْرا الراهب وبها قبره إلى عصرنا. طولها سبعون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، طالعها برج السنبلة، ساعة بنائها عطارد.
قال البلاذُري: اجتمع المسلمون عند قدوم خالد ابن الوليد على بُصْرى، ففتحوها صلحاً، وانبثوا في أرض حَوران فغلبوا عليها.
وفي هذه الكورة:
وهي محدثة، فصارت القصبة لكورة حوران. طولها سبعون درجة وخمس دقائق، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وعشرون دقيقة.
ولم تزل " بُصرى " و " صرخد " على الإضافة لدمشق يليهما نائب من جهة من يليها، إلى أن ملك " تاج الدولة تُتُش " دمشق، ولّى فيها ولديه تكين وفلّوس.
فلما مات تاج الدولة أقرهما فيهما أخوهما شمس الملوك دُقاق لما ملك دمشق بعد أبيه. وبقيت في أيديهما إلى أن أستبد ظهير الدّين طغتكين الأتابك بدمشق، وطلب منهما أن ينزلا عنهما، فلم يجيبا فقاتلهما، حتى عجزا عن دفعه. فطلبا منه الأمان على أنفسهما وأموالهما ويسلّمانها إليه بمهلة اقترحاها عليه، وإقطاعاً يعوضهما عنهما، فأجابهما إلى غير ذلك ورحل عنهما. فلما انقضى أجل المدة سلماها إليه، ووفى لهما بما وعدهما به من الأمان والإقطاع، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
فولاّهما ظهير الدين فخر الدولة كمشتكين التاجي لما أخذ منه بعلبك. فكان مقامه بقلعة صرخد ومملوكه التنتاش ببصرى، واستمرت ولايتهما إلى أن مات فخر الدولة كمشتكين " ليلة الأحد سابع من شهر ربيع ... سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فصار التنتاش إلى " صرخد " فملكها واظهر مشاققة ظهير الدين طغتكين، فبعث معين الدين أنر إلى صرخد بعسكر، فالتقى بالفرنج ومعهم التنتاش فكسرهم، وعادوا مخذولين. وسار معين الدّين فنزل على الحصن في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين، وقاتلهما حتى أخذهما في المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
ثم انفصل التنتاش عن الفرنج، وعاد إلى دمشق بغير تقرير حالٍ ولا أمان، وكان في أيام ولايته قبض على أخيه " خُطلخ " وكحله، وأخرجه من صرخد فأقام بدمشق. فلما وصل إلى دمشق حاكمه أخوه عند القاضي فقضى له عليه بالكاحل فكحله.
ولما فتح معين الدين " صرخد " و " بُصرى " سلّم " صرخد " للأميرمجاهد الدين بثزان بن مامين الكردي، وسلّم بصرى على حاجبه فارس الدّولة صُرخك. فأما صرخد فأقام بها مجاهد الدّين إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني صفر سنة خمس وخمسين وخمسمائة.