الكلام في سورها: كان مبيناً بالحجارة من بناء الروم أوّلاً ولمّا وصل كسرى أنو شروان إلى حلب وحاصرها تشعثت أسوارها وكان ملك حلب إذ ذاك يوسطينيانوس ملك الروم ولمّا استولى عليها أنو شروان وملكها رمّ ما كان هُدم من أسوارها وبناها بالآجرّ الفارسيّ. وشاهدنا منه في الأسوار التي ما بين باب الجنان وباب إنطاكية. وفي أسوارها أبرجة عديدة جدّدها ملوك الإسلام بعد الفتوح مثل بني أميّة وبني صالح لمّا كانوا ولاةً عليها من قِبَل بني العبّاس وعلى الخصوص صالح بن عليّ وعبد الملك ولده.
ولمّا خربت بمحاصرة نقفور ملك الروم لها في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وخرج منها سيف الدولة هارباً واستولى عليها نقفور وقتل جميع من كان بها ثمّ رجع إليها سيف الدولة وجدّد سورها سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة واسمه مكتوب على بعض الأربجة ولحقتُ منها برجاً كان إلى جانب باب قنّسرين من جهة الغرب.
وكذلك جدّد فيها سعد الدولة بن حمدان ولد سيف الدولة أبرجةً وأتقن سورها في سنة سبع وستين مثلثمائة وبنى بنو مرداس لمّا ملكوها فإن معز الدولة أباعُلوان ثِمال بن مرداس بنى بها أبرجةً بعد سنة عشرين وأربعمائة وبقيت إلى أن خربت بأيدي التتر. وكذلك غيرهم من الملوك الّذين أسماؤهم مكتوبة عليها مثل قسيم الدلة آق سُنْقُر وولده عماد الدين زنكي الأتابك.
وبنى نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي الأتابك فصيلاً على مواضع من باب الصغير إلى باب العراق ومن قلعة الشريف إلى باب قنّسرين إلى باب إنطاكية ومن باب الجنان إلى باب أربعين جعل ظلك سراً ثانياً قصيراً بين يدي السور الكبير. وعّمر أسوار باب العراق وكان ابتداء العمارة في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.
ولما ملك الملك الظاهر غياث الدين غازي حلب أمر بإنشاء سور من باب الجنان إلى برج الثعابين وفتح الباب المستجدّ وأمر أيضاً بحفر الخنادق وذلك في سنة اثنين وتسعين وخمسمائة. وفي هذه السنة أمر برفع الفصيل الذي بناه نور الدين وجدّد السور والأبرجة وجعلها على علوّ السور الأول.
ولمّا عزم على بناء الأبرجة عين لكلّ أمير من أمرائه برجاً يتولى عمارته إلى أن انتهت وكتب كلّ أمير اسمه على برجه.
وبنى أبرجةً من باب الجنان إلى باب النصر وبنى سوراً من ش رقي البلد على دار العدل وفتح له باباً من جهة الشرق والشمال على حافة الخندق يُسمى الباب الصغير وكان يخرج منها إذا ركب.
وبنى دار العدل لجلوسسه العامّ بين السورَيْن الجديد الّذي جدده إلى جانب الميدان والسور العتيق الّذي بناه نور الدين وكان الشروع في بنائها في سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
واهتم الملك الظاهر أيضاً بتحرير خْندق الروم وسُمي بخندق الروم لأن الروم لما حفروه لمّا نازلوا حلب أيّام سيف الدولة بن حمدان وهو من قلعة الشريف إلى الباب الّذي يُخْرَج منه إلى المقام ويُعرَف بباب نفيس. ثم يستمر خندق الروم من ذلك من ذلك الباب المذكور شرقاً إلى باب النَيْرَب ثمَ يأخذ شمالاً إلى أن يصل باب القناة خارج باب أربعين ثمّ يأخذ غرباً من شماليّ الجُبَيل إلى أن يتَصل بخندق المدينة. وأمر الملك الظاهر برفع التراب وإلقائه على شفير هذا الخندق ممّا يلي المدينة فارتفع ذلك المكان وعلا وسُفّح إلى الخندق وبُني عليه سور من اللبن في أيام الملك العزيز محمّد بن الملك الظاهر رحمهما تع.
وبنى الأتابك شهاب الدين طُغريل برجاً عظيماً فيما بين باب النصر وبرج الثعابين مقابل أتونات الكلس ومقالر اليهود من شماليّ حلب وذلك بعد العشرين وستمائة وأمر الأتابك طُغريل المذكور الحجّارين بقطع الأحجار من الحّوارة من خندق الروم قصداً في توسعته فعمق واتّسع وازداد البلد به حصانةً.