ثمّ قال لله درّه فلقد نطق بما آلت حالها إليه من الخراب وبلي به أهلها من الشتات والاغتراب فندبها وبكاها وتظلّم من الأيّام وشكاها: هذه منازلها وديارها فأين سكانها وعمّارها وتلك مدّة ملكها وبناؤها فأين أمراؤها الحمدانيّون وشعراؤها أجل فني جميعهم ولم يأن بعد فناؤها هذه حلب كم أدخلت من ملوكها في خبر كان ونسخت ظرف الزمان بالمكان أُنِّث اسمها فتحلّت بزينة الغوان ودانت بالغدر فيمن خان وتجلّت عروساً بعد سيف دولتها ابن حمدان هيهات سيهرم شبابها ويُعدَم خطّابها ويسرع حين خرابها.
القسمُ الثاني منَ الكِتاب في
ذكر ما هُو خارج عن دمشق
وهو مُضاف إليها: وَهُو ستَّةُ أبواب
الباب الأول في
ذكر أنهارِهَا وقَنَوَاتِهَا
في ذكر أنهارها
أصلها من عين تخرج من تحت " بيعة الفيجة وتظهر عند الخروج من الشِّعب، بموضع يُعرف بالنيرب وهو على جبل،. وينصبّ هذا الماء كالنهر العظيم، له صوت هائل يسمع على بُعد ويُرى نزوله وخرير دوية من أعلى الجبل على قرية آبل حتى ينتهي إلى المدينة.
وتتفرع منه الأنهار المعروفة وهي سبعة: 1 - نهر بردا.
2 - ونهر ثورا.
3 - ونهر يزيد.
4 - ونهر قناة المزة.
5 - ونهر باناس.
6 - ونهر داريا.
7 - ونهر داعية: وهو نهر لا يستعمل ماءُه للشرب، لأَن أَوساخ البلد وأقذارها تنصب إليه، فتسقي به البساتين لا غير.
وبها عين تسمّي عين الكرش من شماليهما.
فأما نهر يزيد: فالذي أسند ابن عساكر في " تاريخ دمشق عن زُفر قال: " سأَلت مكحولاً عن نهر يزيد، وكيف كانت قصته قال سأَلت منّي خبيراً. أَخبرني الثقة أَنَّه كان نهراً نباطيا يجري شيئاً يسقي ضيعتين في الغوطة، لقومٍ يُقال لهم بنو فوقا. ولم يكن فيه شيء لأَحد غيرهم، فماتوا في خلافة معاوية، ولم يبقَ لهم وارثٌ، فأخذ معاوية ضياعَهم وأَمواَلهم.
فلم يزال كذلك حتى مات معاوية، ووُلّي ابنه يزيد، فنظر إلى أَرضٍ ليس لها ماء - وكان مهندساً - ونظر إلى النهر فإذا هو صغير، فأَمر بحفره، فمنعه من ذلك أَهل الغُوطة، ودافعوه، فلطف بهم على أَن ضمن لهم خراجَ سنتهم من ماله، فأَجابوه إلى غير ذلك. فاحتقر نهراً في سعة ستة أشبار، وله ملء جنبتيه. وكان على ذلك كما شرط لهم. فهذه قصة نهر يزيد.
ومات في سنة أربع وستين - ولم يزل هذا النهر على ما أنبطه يزيد - حتى ولي هشام بن عبد الملك، فسأله أهل " حرستا " شرب سقائهم وماءً لمسجدهم. فكلّم فاطمة بنت يزيد في ذلك، فأجابته على أن يحتفر نهراً صغيراً يجري إلى مسجدهم للشّرب لا غير. وفتحَ الحجرَ الذي يمرّ الماء بقرية حرستا فِتراً في فتر مستدير، يجري لهم من الأرض على مقدار شبر من ارتفاع بطن الأرض.
وسأله عبدُ العزيز - مولى هشام - أَن يُجري لهم شيئاً يَسقي ضيعَته، فأجابه بعد أن سأل في أمره يوم الأَربعاء، وصُيرت لهم ماصية فتحُها في أصغر من شبر.
ثم سأله خالد على أن يسقي ضيعته فأجابه إلى يوم الخميس فَهُيئت عليه ماصية كحكايته.
" وأقام رجل من أهل دمشق يقال له جرجة بن قعرا عند سليمان " ابن عبد الملك شاهديْن يشهدان أن له في النهر قناةً تجري إلى حمام له بِديْره، وزعم أنها كانت عجمية، فسجل له سليمان بذلك سجلاَّ، وهي رطل من الماء يجري في سيلون في ديره.
وقلّ الماء في ولاية سليمان بن عبد الملَك حتى لم يبقى في " بردا " إلاّ شيء يسير. فشكوا ذلك إلى سليمان فوجه سليمان بن عبد الملك " عبيد بن " أسلم مولاه إلى أصل العين لكرايتها، فدخلوا لكرايتها، فبينما هم كذلك إذ هم بباب من حديد مُشبك يجري الماء من كُوىً فيه، يسمعون داخلها صوت ماء كثير، ويسمعون اضطراب الأسماك فيها، فكتبوا إلى سليمان بذلك، فأمرهم أن لا يحركوا شيئا، وأن يكروا بين يديه فأكروا.
ولم يزل كذلك إلى ولاية هشام بن عبد الملك، لم يكن فيه شيء أكثر من هذا. فشكا أهل " بردا " قلة الماء إلى هشام بن عبد الملك، فأمر القاسم بنَ زياد أن يماز لهم الأنهار فمازها فأعطى: أهل " نهر " يزيد: ستَ َّ عشرة مسكبة.
وأعطى الغور الكبير: خمس مساكب.
والغور الصغير: أربع مساكب.
ونهر داريا: ست عشرة مسكبة.
ونهر ثورا: اثنتين وأربعين مسكبة، وفيه يومئذ أربع عشرة ماصية تسقي وليس عليها رحا. ونهر قينية: إحدى عشرة مسكبة.