وكتب عماد الدين أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن حامد الأصفهاني في مثل ذلك: صدرت هذه المكاتبة مبشّرةً بما منّ الله تع به من الفتح العزيز والنصر الوجيز والنجح الحريزوالنعمة الّتي جلت الغمّاء فجلّت وحلت في مداق الشكر وحلت وعلت بها كلمة الدين فانهلت وأنهلت وعلّت وطالت يدها بالطول وبأيديها أطلّت وذلك فتح حلب الّذي درّ حلبه ونجح طلبه وبلغ أمد الفلج غلبه ووضّح لحب هذه الدولة القاهرة لحبه فإنه قد سُكنت الدهماء مذ سكنت الشهباء وبشَّرت أختها السوداء لمّا كانت لنا في فتحها اليد البيضاء فاخضرت الغبراء وآلت ألاّ تغبر بعدها إلاّ في سبيل الله الخضراء وتلاها فتح حارم الّتي انجلت به الداهية الحمراء وعلت بالعواصم لفتح بني الأصفر رايتنا الصفراء واهتزت طرباً إلى الجهاد في أيدي شائميها ومشرعيها البيضاء والسمراء فقد زال الشغب وأسفر عن الراحة التعب واتّحدت كلمة الإسلام وعساكره وصدقت زواجره وربحت بالتنقل في الأسفار متاجره وكتب محي الدين محمّد بن علي بن الزكي قاضي دمشق إلى الملك الناصر بفتح حلب:) وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجّل لكم هذه وكفّ أيدي الناس عنكم (وبعدُ فالحمد لله الّذي أنجز لملانا فتح الله على يدَيْه مشارق الأرض ومغاربها ووطّأ له ذرّ الممالك وغواربها وبلغ نفسه النفيسة من الدنيا والآخرة آمالها ومطالبها وأنال ملّة الإسلام ببقائه أوطارها ومآربها وأعز به معتقدها ومصاحبها وأذلّ بسطوته ملحدها ومحاربها ولا زالت عزماته مؤيدةً منصورة وراياته على رؤوس المعاقل مرفوعة منشورة وأعلامه على وهاد الأرض ويفاعها موصوفة مشهورة وقلوب المؤمنين بحياته ونصره جذلةً مسرورة وجموع الكفر وصور الصلبان بسيفه مغلولة مكسورة من النصر المتينوالفتح المبين والقدرة والانتصار والنصر والاقتدار والظفر والاستظهار ونيل الأمل وبلوغ الآوطار من فتح هذا المعقل الّذي أجمعت العقول على اختياره وتفضيله وعجزت الخواطر لولا ظهوره إلى عالم الحسّ عن تصويره في عالم الخيال وتمثله وسار ذكره والعجب به في الأقطار وطار بأجنحته التيه والترفع عن حصون الأرض كل مطار وشمخ بأنف العجب عن عدّه مع غير السحب بل الشهب فيا لها من شهباء ليس لها سوى السحاب سرج والريح لجام وعذراء لم يُفضَض لها بغير اختيار ختام وحسناء حليتها الأنجم الزهر وخمارها الغمار وذات إباء لا تعطي كفاً للأمس إلا حكم له بها الإسلام وناشز على الخطاب فلا تأذن في عقد إلا إذا كان خطيبة الإمام وصعبة على المذلّلين فلا تُؤخذ إلا بكف من اجتمعت عليه الكلمة لها زمام سافر النقية لمحولة لثمها وعليها من الحماية والحميّة نقاب ولثام فهي نهد والأرض لها صدر وألِف والبلاد لها سطر وطائر والمعاقل عندها غواشِ وراكب الحصون بين يديها مواشِ وفارس والمدن رجالاتهاوعانس والسعادة دلالاتها ونجم الأرض وسماؤه وموج البحر ماؤه وعَلَم والبلاد جيشه لا بل طود حلم يؤمِن على تعاقب الأيام وتوالي الأعوام عجلته وطيشه تفي إذا غدر الزمان وتصفو إذا تكدّر الإخوان وتحفظ إذا أضاع الأعوان وتظهر الحبّ والمقة إذا فركت الحرب العوان ترفّع سمعها عند العذل ولا يصل إليها كلام الواشٍ وتسمو بنظرها عن الخديعة فلا يميل بناظرها ساعٍ بها ولا ماشٍ وتأنف أن تعطي مقادتها إلا لأكرم الأكفاء ولا ترضى أن تستشعر من جهازها إلاّ بشعار الوفاء فهي بالإضافة إلى سائر الحصون المانعة كإضافة سميّها في جلالة قدره ومنافعه إلى سائر المائعات.
وذكر الشيخ الصالح الإمام العالم أبو جعفر أحمد بن جُبَيْر في كتاب وضعه ذكر رحلته وم رأى فيها من البلاد حلب فقال: بلدة قدرها خطير وذكرها في كل زمان يطير خطّابها الملوك كثير ومحلها من النفوس أثير فكم هاجت من كفاح وسُلّت عليها من بيض الصفاح لها قلعة شهيرة الامتناع ثابتةالارتفاع معدومة الشبيه والنظير في القلاع تناهت حصانةً أن تُرام أو تُستطاع قاعدة كبيرة ومائدة في الأرض مستديرة منحوتة الأرجاء موضوعة على نسبة اعتدال واستواء فسبحان من أحكم تدبيرها وتقديرها وأبدع كيف شاء تصويرها وتدويرها عتيقة في الأزل حديثة وإن لم تزل قد طاولت الأيام والأعوام وشيّعت الخواصّ والعوامّ.