وحكى القاضي حسن بن الموج الفرعيّ قال: كنتُ قد هربتُ من المجنّ الفوعيّ رئيس حلب إلى أنطاكية وخدمتُ وزير يغي سيان فتركني على عمارة السور وكان قد تهدّم بزلزلة فحُفر أساس بعض الأبراج ونُزل فيه على آخر دمسٍ فوُجد جرن قد انكسر وعليه طابق فكُشف فوُجد فيه سبعة أشخاص من نحاس على أفراس من نحاس عل كلّ واحدٍ ثوب من الزرد معتقلاً ترساً ورمحاً فَحُملت إلى بين يدي الأمير يغي سيان فأحضر مشايخ البلد وسألهم عن الأشخاص فقالوا: لا نعلم غير أنّا نحكي للأمير ما يقارب ذلك لنا دير يُعرّف بدير الملك واسع الهواء فعاب علينا في سنة سبع وسبعين وأربعمائة فتكسّر أكثر خشبه فنقضناه وطلبنا خشباً آخر على مقداره فلم نجد فأشار علينا بعض الصنّاع بتقديم البناء فحفرنا أساساً فلمّا انتهينا إلى أسفله وجدنا أشخاص أتراك من نحاس في أوساطهم القسيّ والنشّاب فلم نحتفل بذلك وعمرنا الحائط فما مضى غير مدّة قصيرة حتى سرق المدينة سليمان بن قُُطُلْمُش في السنة بعينها في أوّل شعبان.
وبناحية الجَزر قرية تُسمّى يَحْمول لا يوجد بأرضها عقرب أصلاً وحكى جماعة من فلاّحيها أنّهم يخرجون في بعض الأوقات يحتطبون بالجبل الأعلى فيأتون بالحطب إلى يَحمول فرّبما تعلّق بالحطب من الجبل عقرب فمتى دخل بها القرية ماتت. ومن العجب أنّ إلى جانب هذه القرية قريتين يُقال لأحدهما الكفر والأخرى بيت رأس وبين جدار هذه وهذه مقدار شوط فرس وفي كلّ واحد منهما من العقارب شيء كثير.
وناحية شيح الحديد لا توجد بها عقرب أصلاً وإنّ الرجل من أهل شيح إذا غسل ثوبه في ماء شيح ثمّ خرج إلى موضع آخر فوضع على ثوبه ماء وعصره وشرّبه من لَدَغَتْه عقرب بريء من وقته وإن قطرت منه قطرة على عقرب ماتت لوقتها وشيح هذه قرية لها كورة وفيها والٍ وهي من أعمال العمق وكانت قديما تُعدّ في أعمال أنطاكية وبها كان مقام يوسف بن أسباط عليه السلام.
وبشرقي حلب من ناحية الجبل قرية خربة تُعرف بجُبّ الكلب وهي إلى جانب قرية قُبثان الجبل بها بئر ينفع من عضّة الكلب متى نظر المعضوض إلى مائة أو شرب منه أو اغتسل برئ وقُبثان المذكورة وهذه القرية وتلّ أركين متجاورة جارية في ملك الشيخ منتجب الدين أبي المعالي أحمد بن الإسكافيّ. وحكى لي أنّ والده حكى له عن جدّه أنّه لمّا ملك جبّ الكلب كان يتردد إليها الناس للتداوي إلى أن رمت امرأة في البئر خرقة حيض فبطلت منفعته في حدود الخمسمائة وكانت علامة حصول النفع به أنّ المعضوض إذا أبصر النجوم في مائه برئ وإن لم ينفعه سمع نبيح الكلام وإنّه متى رأى النجوم يبول بعد تمام الأسبوع ثلاث جراءً مصوّرةً بأذنابها ورؤوسها. ويُذكر في سبب زوال هذه الخاصيّة منه أن ملك حلب الملك رضوان بن تاج الدولة تُتُش عوّل على توسيع فمه وكان ضيّقاً عليه أربعة أعمدة تمنع أن يُنزل فيه فقال: نعمله حتى يكون الإنسان ينزل إليه ولا يقلّب عليه. فقيل له أنّ هذه الطلسمات لا يجب أن تُغيَّر عن كيفيّاتها فلم يقبل ففتحه فزال عنه ما كان يزيل الأذى وكان يقال إنّ ذلك في سنة ستّ وتسعين وأربعمائة.
وبقرية من جبل السمّاق يقال لها كفر نجد بئر يقصده من دخل في حلقه علقة فشرب منه وطاف حوله سبع مرّات وقعت والخاصيّة فيه إن الإنسان يشرب ماءه بحيث أن يسقط من الماء في البئر ومتى لم يشربه كذلك لم ينفعه وقد شاهدتُ ذلك.
وبمعرّة النعمان عمود فيه طلسم للبقّ وذكر أهل المعرّة أنّ الرجل كان يخرج يده وهو على سور المعرّة إلى خارج السور فيسقط عليه البقّ فإذا أعادها زال عنها وأخبر رجل من أهل المعرّة قال: رأيت أسفل عمود في دار كنتُ بها في معرّة النُعمان ففتحتُ موضعه لأستخرجه فانخرق إلى مغارة فأنزلتُ إليها إنساناً ظنّاً أنّه مطلب فوجدناه مغارةً كبيرة ولم نجد فيها شيئاً ورأيت في الحائط صورة بقّة فمن ذلك اليوم كثر البقّ في معرّة النعمان. وذكر أهل المعرّة أنّ حيّاتها لا تؤذي إذ لدغت كما يؤذي غيرها. وقال كمال الدين: سمعتُ إبراهيم ابن الفهم رئيس المعرّة يقول: إن العمود القائم في مدينة المعرّة هو طلسم الحيّات وهذا العمود قائم مستقرّ على قاعدة بزبرة حديد في وسطه يُميّله الإنسان فيسيل وكذلك حاله مع الريح القويّة ويضع الناس تحته إذا مال الجوز واللوز فينكسر.