وبباطن حلب عمود يُسمّى عمود العُسر حكى لي جماعة من أهل حلب أن هذا العمود يُنْتَفع به من عُسر البول فإذا أصاب الإنسان أو الدابّة هذا الداء دير به حوله فيبرأ.

وقال كمال الدين بن العديم في كتاب الربيع تأليف غرس النعمة أبي الحسن محمّد بن هلال الصابئي وقال وحدّثني أبو عبد الله بن الإسكافي كاتب البساسيريّ في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة قال: احترق بمدينة حلب عام أوّل برج من أبراج سورها فحكى ذلك للمستنصر خادم كان له بحلب فقال: إن كنت صادقاً ففي هذه السنة يُخطَب لنل بالعراق وذلك عندنا في كتبنا. قال أبو عبد الله: وأتفق لنل ذلك وأقمنا الخطبة في ذي القعدة من سنة خمسين.

ولمّا حُفر بالمسجد الجامع الموضع الّذي بُني فيه المصنع وُجد فيه صورة أسد من الحجر الأسود وهو موضوع على بلاط أسود ووجهه إلى جهة القبلة فاستخرجوه من مكانه فجرى بعد ذلك ما جرى من خراب الجامع إمّا بالزلزلة وإما بالحريق.

قلتُ: قد وقع مثل ذلك في زماننا في أيام دولة الملك العزيز محمّد بن الملك الظاهر غياث الدين وأتابكه ومدبّر دولته شهاب الدين طُغْريل الخادم الظاهريّ طُغْريل بالقلعة داراً ليسكنها فلمّا حُفر أساسها ظهر فيما حُفر صورة أسد من حجر أسود فأزالوه عن موضعه فسقط بعد ذلك الجانب القبليّ من سور القلعة وانهدمت قطعة كبيرة وقد تقدّم لنا بناء هذه الثلمة الّتي تهدمت فيما سلف عند ذكر القلعة.

وفي أعمال حلب ضيعة تُعرَف بعين جارا وبينها وبين الُهوتة حجر قائم كالتَخْم بين أرض الضيعتَيْن فربّما وقع بين أهل الضيعتَيْن شرّ فيكيدهم أهل الهوتة بأن يطرحوا ذلك الحجر القائم فكلّما يقع يخرج أهل الضيعتَيْن من النساء متبرّجات ظاهرات لا يعقلن بأنفسهنّ طلباً للجماع ولا يستقبحن في الحال ما هنّ عليه من غلبة الشهوة إلى أن يتبادر الرجال إلى الحجر فيعيدونه إلى حالته الأولى فيتراجعن النساء إلى بيوتهنّ وقد عاد إليهنّ التمييز لقبيح ما كمنّ عليه من التبرّج. وهذه الضيعة كان سيف الدولة أقطعها أبا عليّ أحمد بن نصر البازيار وكان أبو عليّ يتحدّث بذلك ويسمعه من الناس وقد ذكر هذه الحكاية المحسن بن عليّ التَنوخيّ. والقرية تُعرَف في زماننا هذا بالهوتة لأنّ بها مكاناً منخفضاً كأنّه بركة ولم تزل هذه القرية في إقطاع بني الخشَّاب إلى أن ملك الملك الصالح بن الملك العادل نور الدين محمود بعد وفاة والده وقُتل أبو الفضل ابن الخشّاب فقُبضت فيما قُبض من أملاكهم وإقطاعاتهم. فلّما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين حلب سنة تسع وسبعين ردّ عليهم أملاكهم وأقطع هذه القرية مجد الدين بن الخشّاب. فلّما تُوفي أقطعها بهاء الدين الحسن بن إبراهيم ابن الخشّاب ولم تزل في يده إلى أن تُوفي في سنة ثمان وأربعين وستّمائة. وحكى لي رحمه أنه دامت في يده نيّفاً وأربعين سنة ما خرج إليها خوفاً من أهلها لأنّهم لصوص ومن أن يُحرَّك هذا العمود فأرى ما لا يحلّ لي من تبرّج النساء. ثمّ أقطعت لكمال الدين بن العديم ولم تزل في يده إلى أن استولت التتر على حلب.

وعلى سبعة أميال من منبج حمّة عليها قبّة تسمّى المدير وعلى شفيرها صورة رجل أسود تزعم النساء أنّ كلّ من لا تحبل منهنّ إذا حكّت فرجها بأنف تلك الصورة حبلت.

وذكر الشريف أبو المحاسن بن أبي حامد محمّد بن أبي جعفر الهاشميّ من أولاد عيسى بن صالح أنّه وقف على تأريخ لبعض أجداده ذكر فيه حوادث سنة سبع وستّين وأربعمائة أنّه ظهر بإنطاكية طلسم في جرن على صور الأتراك من نحاس فما حال الحول حتّى ملكها الأتراك. ووُجد الطلسم في دير على بابها وحكى ابن العظيميّ في تأريخه في حوادث سنة سبع وستين وأربعمائة: زُلزِلت أنطاكية وفتح سليمان بن قُطُلْمُش نيقية وأعمالها وظهر بأنطاكية طلسم الأتراك في دير الملك على باب أنطاكية سبعة أتراك من نحاس أتراك من نحاس على خيل نحاس بجعابهم فما حال الحول حتّى فتحها الأتراك. وفي هذا نظر لأنّ سليمان بن قُطُلْمُش فتح إنطاكية في سنة سبع وسبعين اللهمّ إلاّ أن يكون ابن العظيميّ أراد سبع وستّين فغلط بعقد العشرة. وقد ذكر هذه الحكاية حمدان بن عبد الرحيم الأثاربيّ في أخبار الفرنج أنّ أنطاكية خربتها زلزلة عظيمة قبل فتحها وذلك سنة سبع وسبعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015