أما موضعه من المعمور فإنّه في الإقليم الثالث والرابع وأمّا حدوده فإنّ الصاحب كمال الدين أبا القاسم عمر بن أحمد بن محمّد بن هبة الله بن أبي جَرادة الحلَبي العُقَيْليّ المعروف بابن العديم روى في كتابه المسمّى ببغية الطلب في تأريخ مدينة حلب حديثاً رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه سُئل عن البركة التي بورك في الشام أين موضع حدّه. قال: أوّل حدوده عريش مصر والحدّ الآخر طرف البثنية والحدّ الآخر الفرات والحدّ الأخير جبل فيه قبر هود عم. وذكر أصحاب الاعتناء بتحديد المسالك والممالك أنّ حدّه الجنوبيّ العريش من جهة مصر وحدّه الشماليّ بلاد الروم وحدّه الشرقيّ البادية من أيلة إلى الفرات وحدّه الغربيّ بحر الروم.
وأمّا ما انقسم إليه من الأجناد فالّذي ورد في ذلك ما حكاه أبو جعفر الطبريّ في تأريخه أنّ أبا بكر الصدّيق رضه لما عزم على فتح الشام سمّى لكل أمير أمّرَه على الجيوش كورةً فسمّى لأبي عبيدة بن الجرّاح كورة حمص وليزيد بن أبي سفيان كورة دمشق ولشُرَحْبيل بن حَسَنَة كورة الأردنّ ولعمرو ابن العاصّ وعلقمة بن محرز كورة فلسطين. فإذا فرغ منها ترك علقمة وسار إلى مصر فيدلّ هذا على أنّ الشام لمّا كان في أيدي الروم مقسوماً إلى هذه الكور الأربعة لا غير.
وممّا يؤيّد ما قدّرناه ما ذكره قُدامة بن جعفر في كتاب الخراج أنّ أبا عبيدة سار إلى قنّسرين وكورها يومئذ مضافة إلى حمص ولم يزل كذلك حتّى فصل يزيد بن معاوية وقيل معاوية قنّسرين وإنطاكية ومنبج الثغور جنداً وأفردها عن حمص وصيّر حمص وأعمالها جنداً ولمّا استخلف هارون الرشيد أفرد قنّسرين بكورها وصيّر ذلك جنداً وأفرد منبج ودُلوك ورَعْبان وقورص وإنطاكية وتيزين الثغور وسمّاها العواصم. وقد قيل: إنّ العواصم من حلب إلى حماه. وسمّيت العواصم لأنّ المسلمين يعتصمون بها في ثغورهم فتعصمهم فتكون إذّا أجناد الشام ستةً قنّسرين والعواصم وحمص ودمشق والأردنّ وفلسطين. وسنذكر ما اشتملت عليه هذه الأجناد من البلاد البرّية والساحليّة في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تع على تفصيل يروق مستمعه ويشهد من وقف عليه أنّ هذا موضعه.
وإذ قد فرغتُ من ديباجة كتابي الّتي ضمّنتُها مقاصدي فيه وجعلتُها مفصحةً عن سرّه الّذي يخفيه فقد آن أن أبدأ بذكر حلب على ما تقدّم الوعد به وتعلّق سبب غرضي بسببه وأرتّب الكلام فيه على ثلاثة أقسام حلّت منه محلّ الأرواح في الأجسام.
القسم الأوّل أضمّنه سبعة عشر باباً في أمر البلد وما اشتمل عليه بنيانه ظاهراً وباطناً.
القسم الثاني أضمّنه خمسة أبواب فيما يشتمل عليه حدود نواحيها الخارجة عنها.
القسم الثالث في ذكر أمرائها منذ فُتحتْ إلى عصرنا الّذي وضعنا فيه الكتاب.
القسم الأوّل
أمر البلد وما اشتمل عليه بنيانه ظاهراً وباطناً
ويشتمل على سبعة عشر باباً الباب الأوّل في ذكر موضعها من المعمور.
الباب الثاني في ذكر الطالع الّذي بُنيت فيه ومن بناها.
الباب الثالث في ذكر تسميتها واشتقاقها.
الباب الرابع في ذكر صفة عمارتها.
الباب الخامس في ذكر عدد أبوابها.
الباب السادس في ذكر بناء قلعتها والقصور القديمة.
الباب السابع في ذكر ما ورد في فضلها.
الباب الثامن في ذكر مسجدها الجامع والجوامع الّتي بظاهرها وضواحيها.
الباب التاسع في ذكر المزارات الّتي بباطنها وظاهرها.
الباب العاشر في ذكر المساجد الّتي بباطن حلب وظاهرها.
الباب الحادي عشر في ذكر الخانقاهات والربط.
الباب الثاني عشر في ذكر المدارس.
الباب الثالث عشر في ذكر ما بحلب وضواحيها من الطلسمات والخواصّ.
الباب الرابع عشر في ذكر الّحمامات.
الباب الخامس عشر في ذكر نهرها وقنيها.
الباب السادس عشر في ذكر ارتفاع فصبتها.
الباب السابع عشر في ذكر ما مُدحت به نظماً ونثراً.
الباب الأوّل في
ذكر موضعها من المعمور