قرأتُ في تأريخ دمشق للشيخ الإمام العالم الحافظ أبي القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله المعروف بابن عساكر رحمه بعد سند رفعه إلى هشام بن محمّد عن أبيه قال: كان الّذي عقد لهم نوح - صلّى الله على نبيّنا وعليه - ببابل فنزل بنو سام المِجْدِل وهو ما بين ساتيداما إلى البحر وما بين اليمن إلى الشام وجعل الله النبوّة والكتاب والبياض فيهم ونزل بنو حام مجرى الجنوب والديور فيُقال لتلك الناحية الداروم وجعل الله فيهم الأُدمة وجعل في أرضهم الأثل والعشب والنخل وجرّى الشمس والقمر في سمائهم ونزل بنو يافث في الصفون بمجرى الشمال والصبا وفيهم الشقرة والحمرة وأخلى أرضهم فاشتدّ بردها وأخلى سمائها فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجدي والفرقدين. ثم لحقت عاد بالشِحْر فعليه هلكوا ولحقت بعدهم بالشحر مَهْرَة ولحقت عُبيْل بموضع يثرب ولحقت العماليق بأرض صنعا. ولحقت ثمود بالحجر فهلكوا ولحقت طًسْم وَجديس باليمامة فهلكوا ولحقت أميم بارض وبار فهلكوا بها وهو رمل عالج فيما بين اليمامة والشِحْر فلا يصل إليها أحد لأن النّ غلبت عليها ولحقت يُقْطَن بن عابر باليمن فسُميت يمناً حين تيمنوا إليها ولحق قوم من بني كنعان بالشأم فسُميت شأماً حين تشاءموا إليها
المقصد الثالث في
ذكر ما ورد من فضل الشام
قرأت في التاريخ الحافظ بن عساكر الدمشقي رحمه الله بسند رفعه عن عبد الله ابن حَوالة الأزدي أنّه قال: يا رسول الله صِف لي بلداً أكون فيه فاو علمتُ أنّك تبقى لم أختر على قربك شيئاً. قال: عليك بالشام ثلاثاً فلّما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهته إياها قال: هل تدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله تع يقول: يا شام أنتِ صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرة من عبادي أنتِ سوط نقمتي وسوط عذابي أنتِ الأنذر وإليكِ المحشر. ورأيتُ ليلة أسرى بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة. قلتُ: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام أمرنا أن نضعه في الشام وبينا أنا نائم إذ رأيتُ الكتاب اختُلس من تحت وسادتي فظننتُ أن الله تع تخلى من أهل الأرض فأتبعتُه فإذا هو بين يدي حتى وضع بالشام فمن أبى فليلحق يمنةّ ويُسقَ من غدره فإن الله تكفّل بالشام وأهله.
وروى بإسناده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوة من خلقه وعباده. وفي حديث آخر: من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه - يعني الله تعالى - ومن دخلها من غيرها فبرحمته. وروى أيضا أنّ الّله تع بارك ما بين العريش والفرات وخصّ فلسطين بالتقديس - يعني التطهير -. ثم قال عقيب هذا الحديث: هذا الحديث منقطع.
وروى أيضا عن عبد الله بن عمر رضهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخير عشرة أعشار تسعة في الشام وواحد في سائر البلدان والشر عشرة أعشار واحد بالشام وتسعة في سائر البلدان وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم.
وروى أيضا بسند رفعه إلى أبى الدرداء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الشام وأزواجهم وذرّياتهم وعبيدهم وإماؤْهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله فمن احتلّ منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد وهذا القدر كافٍ في شرف من احتلً من أهله شافٍ.
وروى أيضا عن شهر بن حَوشْ بأنّ معاوية بن أبي سفيان سمع رجلاً من أهل مصر يسبُّ أهل الشام فأخرج وجهه من برنسه وقال: يا أهل مصر لا تسبّوا أهل الشام فإنّي سمعت رسول الّله صلى الله عليه وسلم يقول: فيهم الإبدال وبهم يُرزقون وبهم يُنصرون. وقد قيل: إنّ عوفاً قال ذلك ومعاوية يسمعه.
المقصد الرابع في
ذكر موضعه من المعمور وحدوده
وإلى ما انقسم إليه من الأجناد