المدرسة العصرونيّة - كانت داراً لأبي الحسن عليّ بن أبي الثريّا وزير بني مِرْداس فصيّرها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بعد انتقالها إليه بالوجه الشرعيّ مدرسةً وجعل فيها مساكن للمرتّبين بها من الفقهاء وذلك في سنة خمسين وخمسمائة واستدعى لها من حلّ بناحية سِنجار الشيخ الإمام شرف الدين أبا سعيد عبد الله بن أبي السري محمّد بن هبة الله بن المطهّر بن عليّ بن أبي عصرون بن أبي السريّ التميميّ الحديثيّ ثمّ الموصليّ الشافعيّ وكان من أعيان فقهاء عصره وقرأ القرآن بالعشرة على أبي الغنائم السَروجيّ والبارع أبي عبد الله بن الدبّاس وأبي بكر اَلمَرْزُوقيّ وتفقّه على القاضي المرتضى أبي محمّد عبد الله بن القاسم الشهرزوريّ وعلى القاضي الفارقيّ تلميذ أبي إسحاق الفيروزاباديّ مصنّف المهذّب ولمّا وصل حلب ولّي تدريس المدرسة المذكورة والنظر فيها وهو أول من درّس بها فعُرفت به. وصنّف كتباً كثيرةً في المذهب والخلاف والفائض مشهرة في أيدي الناس وبنى له نور الدين محمود مدرسةً بمنبج ومدرسةً بحمص ومدرسةً ببعلبك ومدرسةً بدمشق وفوّض إليه أن بولّي التدريس فيها من شاء ولم يزل متولّياً أمر هذه المدرسة تدريساً ونظراً إلى أن خرج إلى دمشق سنة سبعين وخمسمائة وتُوفّي بدمشق ليلة الثلاثاء حادي عشر شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة. ولمّا خرج استخلف فيها ولده نجم الدين الآتي ذكره ولم يزل بها إلى أن ولي قضاء حماة فخرج منها واستناب فيها ابن أخيه عبد السلام الآتي ذكره بعد ولم يزل بها مدرساً إلى أن ورد على حلب ولده قاضي القضاة نجم الدين أبو البركات عبد الرحمن من حماه في أيّام الملك الظاهر غياث الدين غازي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فولي تدريسها بنفسه ولم يزل بها مدرّساً إلى أن رحل عن حلب إلى حماه فتُوّفي بها يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وستّمائة واستخلف فيها فخر الدين سُرْخاب بن الحسن بن الحسين الأرمويّ وكان ينوب عن والده الشيخ شرف الدين ولم يزل بها مدرّساً نيابة واستقلالاً إلى أن خرج من حلب سنة خمس وستّمائة يريد إرْبل فلمّا وفد على الملك المعظّم مظفّر الدين كُوكَبُريّ صاحب إِرْبل أكرمه واحتفل به وكان يتردّد إليه وأقام بإرْبل إلى أن تُوّفي في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وستّمائة وتولّى تدريسها بعد خروجه من حلب الشيخ شهاب الدين عبد السلام بن المطهّر بن الشيخ شرف الدين أبي سعيد عبد الله بن أبي عصرون واستناب ولده قطب الدين أحمد ولم يزل متولّيها إلى أن تُوّفي بدمشق في الثامن والعشرين من المحرّم سنة اثنتين وثلاثين وستّمائة. ثم وليها بعده ولده قطب الدين أحمد وعزّ الدين عبد العزيز بن نجم الدين عبد الرحمان بن شرف الدين ولم يزالا بها إلى أن وقعت لهما واقعة بحلب فصرفوهما منها وحُبسا ثمّ أُخرجا من حلب سنة ستّ وثلاثين وستّمائة فقصد قطب الدين دمشق فأقام بها وقصد عبد العزيز مصر واتصل بالملك الصالح نجم الدين أيوب وأرسله إلى بغداد مرتين ولما عاد من رسالته في المرة الثانية توفي بالقدس في شهر رمضان أو شوال سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وتولى تدريسها بعده شرف الدين عثمان بن محمد بن أبي عصرون المعروف بالتركي مدة ثم رحل إلى دمشق وتولاها نجم الدين أحمد بن عز الدين عبد العزيز المقدم ذكره ولم يكن نبيها ولم يزل بها مدرسا إلى أن كانت حادثة التتر.