ثم وصل إليهم من بدر الدين - صاحب الموصل - مملوك أخبرهم أن بدر الدين قد بذل روحه وماله وابتاع البلد من هولاكو. فقال له علم الدين سنجر الأعسر الخوارزمي وحسام الدين بن رش وعماد الدين الهكاري: نحن نعرف محال أستاذك، والله ما ينزل إلا مع حجارتها فإنا قد بايعنا الله تعالى. وعزم حسام الدين على ضرب رقبته، فلم يمكنه عماد الدين.
ولما فارق السلطان عز الدين - صاحب بلاد الروم - هؤلاء على سروج عند قصده حلب وصل إلى ميافارقين ووقف تجاه السور. وطلب الطواشي نجم الدين مختار، وحسام الدين بن رش وعماد الدين الهكاري وعلم الدين سنجر الأعسر، فلما حضروا قال لهم: المصلحة أن يخرج الملك الكامل إلى هولاكو، فإني قد استطلقته منه، وقد عفا عنه.
فقالوا له: إن رحل عسكر التتر عنا إلى جسر القرمان خرجنا بحريمنا وأولادنا، ونحضر مع الملك الكامل إلى بين يدي " هولاكو ". فلم يجيبوا التتر إلى ذلك وقالوا: متى خرج الملك الكامل من ميافارقين تعلق بالحبال.
ولما توجه عز الدين جدوا في الحصار وقلت الأقوات في البلد، ووقع الوباء في أهله، ونصبت التتر على البلد ست مائة سلم على السور. يصعد في عرض الدرجة ست عشرة نفسا.
وكان المتسلم لباب الكر والقبلة الأمير سابق الدين لاجين الخرندار - أحد مماليك شهاب الدين غازي -. فنزل إلى بيته بعض الليالي، من غير أن يعلم به، فنزل مملوك له يسمى أقوش إلى التتر وأعلمهم بغيبة أستاذه عن الباب. فأقاموا سلما وصعد فيه نحو من ثلاث مائة نفس. وكان بين السورين خادم لصاحب الحصن يسمى دينار، فلما رآهم أخذ رمحه ومشى مع السور، وطعن منهم رجلا فوقع على أصحابه، فصاحوا، فشعروا بهم، ونهض الناس إلى قتالهم، وركب الملك الكامل والطواشي نجم الدين مختار وطلعا إلى السور، وجد القتال بين التتر وبين المسلمين، فقتلوا التتر عن آخرهم، ووقعت جثثهم خارج السور. فأمر الملك الكامل ألا يمكن التتر من أخذها. ففتح الباب وخرج منه سبعون فارسا ومئتا راجل، فأخذوا ما قدروا عليه بعد حرب شديد.
ثم اشتدت الحال على ميافارقين بكثرة القتل والجوع والفناء. فوقع الاتفاق على أن يخرج الملك الأشرف موسى ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي إلى سنتاي ويبذل له السناسنة على أن يرحل عن ميافارقين. فأجابهم إلى ذلك، خداعا منه. وتوجه فتح الدين يحيى بن بدر الدين ممدوح ابن الصرمنكي في طائفة من المغل ليسلمها إليهم، فطلب من الوالي تسليمها ظاهرا، وهو يشير إليه ألا يفعل، فتبين لهم منه ذلك فقتلوه، وبقي عندهم الأشرف موكلا عليه.
ثم اتفق بعد خروجه أن مملوكين من مماليك افتخار الدين ياقوت الخادم السّعدي ضربهما أُستاذهما بسبب تقدمهما على غلمان الملك الكامل وقلة أدبهما معهم، فعظُم ذلك عليهما وحملهما على أكاتبا التتر وقالا لهم: أيَّ شيءٍ تعطونا حتى نسلم إليكم البلد؟ فقالوا: نُعطيه لكما. وكتبوا لهما بذلك كتابا. فقالا لهم: إذا كان يوم الخميس، وهو اليوم الثالث والعشرون من ربيع الآخر ينزل الحرس إلى أشغالهم، فارموا إلينا سلّما. فلما كان سحر ذلك اليوم اتفق أن نزل افتخار الدين ياقوت وعلم الدين سنجر الخوارزمي إلى الحمام، وخلا السور، فأخذ المملوكان السُّلّم ونصباه فصعد فيه من المُغُل البهادريّة جماعةٌ، واستبق بعضهم بعضا فتكمّل على السور في الساعة الراهنة ستة آلاف نفرٍٍ، فقاتلهم الأمير حسام الدين بن رش حتى قُتل ووجدت فيه اثنتان وسبعون ضربة بالنُّشاب.
وسار الأمير علم الدين سنجر إلى الملك الكامل فاستنهض عزمته، وأيقظ همّته، فركب إليهم، ومعه الأمير علم الدين - المذكور - فقاتلا قتالا شديدا. ثم انهزم الملك الكامل واحتمى ببعض الأبراج. وأُسر علم الدين.
وكان أحد مقدَّمي المغل يسمى بوتاي نُوينَ قد رأى مصابرة علم الدين في الحرب، فطلبه من يشموط فأعطاه إياه، فحماه. فلما اطّلع سُنتاي على ذلك أخذه وقتله، وقال: هذا قَتَل من المُغُل خلقا كثيرا.