فسألني بعض كبرائهم عن المانع من الدخول إليه والاجتماع به. قلت: هؤلاء يريدون أن يعملوا بي حيلة حتى أخرج صاحبها فيقتلوه ويملكوا البلد فيقتلوا من فيه، وأكون السبب في ذلك. فاستعظم ما قلته!! وقال لي: لا تتكلم بهذا تقتل.

ثمّ تقدمت إلى باب المدينة ومعي أزدمر بن بايجو فلما وصلنا إلى بابها، خرج إلينا علم الدين الأعسر - واليها - فقلت له: قد أخذت المسألة منكم ومنهم حقّها، وأنتم أخبر بمصلحتكم.

وترددنا بينهما ثلاثة أيام، وهم مع ذلك يبعثون إلينا الشواء، والحلوى، والدجاج، ليظهروا بذلك قوة، وكانوا في ضيق من الحال شديد. وقررنا الصلح على مائة ألف درهم سلطانية، وستة آلاف نصفية من عمل البلد، وثلاثين جملا، وثلاثين بغلا، وسبعين فرسا.

فأخرجوا لنا بعضها، وقالوا: متى رحلوا سيرنا الباقي إليهم.

فرحلوا من غربي البلد إلى شرقية، عازمين على الرحيل.

فوردت عليهم كتاب من بدر الدين - صاحب الموصل - يخبرهم فيها أن الشهرزورية والأمراء الصالحية وصاحب الكرك قد اتفقوا على الملك الناصر وأخرجوا عساكره من البلاد، وألجؤوهم إلى دمشق، وقد عزم على الهرب منها. هذا وكتبه تصل إليّ يحرضني على ترحيل التتر عن ميافارقين والإصلاح بين الملك الكامل وبينهم، فلما وقفوا على مكاتبته، عدلوا عن الصلح، ومالوا إلى الغدر.

وكان القتال قد بطل أياما، فاغتنم الملك الكامل الفرصة في عمارة ما هدمته المجانيق من السور.

فأحضرنا عند يشموط وسألنا عن الأمراء الصالحية وعدتهم، فأخبرته أنهم شجعاءُ الإسلام، وهم الذين كسروا عسكر اريدافرانس على دمياط. وأنهم يكونون ألف فارس، فأنكروا ذلك وقالوا: إن عدتهم أقل من هذا. فقلت لهم: أنا أعرف الذي نقل إليكم. ثم جدوا في القتال، وأمروني بالعود.

ذكر عودي إلى حلب

لما أذن لي يشموط بالعود رحلت إلى ماردين، واجتمعت بالملك السعيد فقال لي: قد بلغني ما فعلته في حق المسلمين، فجزاك الله خيرا. ثم قال لي: أنا أقرض صاحبكم ثلاث مائة ألف دينار مصرية، ويسير لي ثلاثة آلاف فارس، اقتراحهم عليه، ويصل إلى حلب بنفسه، وله عليّ أن أرحل التتر عن ميافارقين. فإذا بلغت غرضي من ذلك، اتفقت معه على قصد الموصل وإخراجها من يد هذا المنافق. فاستحلفته على ذلك فحلف.

ثم توجهت إلى حران فوافاني عليها كتابه يخبر فيه أن التتر ندموا على إقامتهم، وعزموا على ردك لتوفق بينهم وبين صاحب ميافارقين.

ثم توجهت إلى حلب فوافاني بها كتاب الملك السعيد يخبر أن يشموط رحل عن ميافارقين واستخلف سنتاي في ثلاثة آلاف راجل ليمنعوا صاحبها من الخروج منها. والسبب في رحيلهم كثرة الأمطار والثلوج. وعدم الأقوات، ووقوع الفناء في خيولهم، حتى لم يبق معهم سوى ألف وخمس مائة فرس. وكان رحيله في سلخ شهر ربيع الأول.

ورسل الملك الكامل تتواتر إلى دمشق، وقصاد حريمه مستصرخين، بحيث إنهم سيروا مقانعهن وشعورهن. واستمر الأمر على ذلك إلى أن انقضت سنة سبع وخمسين.

ولما حللت حلب ورد عليّ كتاب الملك الناصر يستدعيني فخرجت منها قاصدا دمشق فدخلتها في العشرين من جمادى الأولى. ثم خرجت منها قاصدا الملك الناصر فوافيته عائدا من القدس الشريف ومعه العساكر والشهرزورية على قراوى. فعرفته ما شار به صاحب ماردين فلم يحر جوابا.

ذكر استيلاء التتر على ميافارقين

قد مضى لنا في سنة ست وسبع وخمسين طرف من أخبارها. ووقفنا عند رحيل يشموط عنها بسبب الموتان الذي وقع في الخيل وقلة العلوفات في عسكره، وهجوم الشتاء.

فلما انقضى الفصل عاد بجيوش كثيفة إليها، ونزل عليها. وكان أهلها لما رحل عنها قد بنوا سورا وحفروا خندقا وأجروا فيه الماء من عين حنباص وعين جوزة، وقطعوه عن البلد، وبنوا الشراريف، وحفظوا الأسوار ممن يريد الخروج من البلد والهروب.

ووصل إليهم بعد نزول يشموط شرف الدين العلائي - أمير القراغلية - وقال: إني قد اشتريت هذا البلد وأهله بسبعين ألف دينار من هولاكو. وطلب منهم برانس جوخ على أنه إلى نسائه ويحضرهن إليهم. فوثقوا بقوله وأعطوه سبعين برنسا، وكان ذلك حيلة منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015