ولما مرض الملك الأوحد استدعى أخاه الملك الأشرف موسى من حرَّان فأتاه وأقام عنده مدة مرضه. فلما أبلَّ من مرضه، وتمت عافيته ودَّعهُ الملك الأشرف عازما على العودة إلى بلاده. فاجتمع به رجلٌ مُنّجمٌ من أهل خِلاط فقال له سرا: لا ترحل، فإن هذا الشهر لا يخرجُ إلا وأخوك قد مات.

فقال له الملك الأشرف: كيف وقد ركب ولعب بالكرة؟! فقال: لابد من ذلك، ولا يجاوز الأسبوع. فاتفق أنه في ذلك الأسبوع أكل أكلة فأُتخم منها فمات.

فملكها الملك الأشرف وبقيت في يد نوابه مستمرة.

وفي سنة خمس عشرة وستمائة تُوفي الملك العادل بعالقين في سابع جمادى الآخرة منها.

واستمرت ميافارقين بيد الملك الأشرف إلى سنة إحدى

ذكر تمليك شهاب الدين غازي أرزن

" كان حسام الدين - صاحب أرزن - من ديار بكر، مصاحبا للملك الأشرف ناصحا له، مشاهدا جميع حروبه وحوادثه، منفقا أمواله في طاعته. فكان يعادي أعدائه ويوالي أولياءه. ومن جملة موافقته له أنه كان محصورا بخلاط لما حصرها جلال الدين فلقي من الشدة ما لقيه من بها - وصبر إلى أن ملكها جلال الدين. وأسره جلال الدين، وأراد " أن " يأخذ منه أرازن فقيل له: إن هذا من بيت قديم عريق في الملك. وأنه ورث هذه أرزن من أسلافه وكان لهم غيرها من البلاد، فخرج الجميع. فعطف عليه ورقَّ له، وأبقى عليه مدينته وأخذ عليه العهود والمواثيق أنه لا يقاتله، فعاد وأقام بها. فلما جاء الملك الأشرف وعلاء الدين - صاحب الروم - محاربين لجلال الدين لم يحضر معهم في الحرب، فلما انهزم جلال الدين " سار شهاب الدين غازي ابن الملك العادل إليه " " وهو بمدينة أرزن فحصره بها " إلى أن " ملكها صلحا، وعوَّضه عنها بحاني من ديار بكر ".

وكان هذا - حسام الدين - رجلا كريما جوادا حسن السيرة، لا يخلو بابه ممن يستميحه. وكان " من بيت كبير قديم يقال له: بيت طُغان أرسلان. وكان لهم مع أرزن بدليس ووسْطان وغيرهما من البلاد، ويعرفون ببيت الأحدب وكانت البلاد معهم من ايام السلطان ملكشاه ابن ألب أرسلان السلجوقي.

فأخذ بكتَمُر منهم بدليس، أخذها من عم هذا حسام الدين لموافقته لصلاح الدين. وبقيت أرزن إلى أن أخذها شهاب الدين غازي ".

" ولكل أوَّل آخر، فسبحان من لا له أول ولا آخر ".

ولم يزل شهاب الدين غازي مالك ميافارقين إلى أن تُوفي في شهر رجب من سنة خمس وأربعين وستمائة. وكان شجاعا حازما قويَّ النفس.

كان قد استولى على حصون جماعةٍ من أعمال آمد بعد وفاة أخيه السلطان الملك الكامل.

وبعد تمليك الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل الديار المصرية أخذ من بلد الحصن " قرى " جماعة. وكذلك من بلد آمد.

ونحن نذكر الآن بعض وقائعه ومجرياته مع السلطان جلال الدين مع أنّا قد استوفينا ذلك مفصلا في كتابنا الموسوم: " بجنى الجنتين في أخبار الدولتين ".

ذكر مقتل جلال الدين وتفرُّق عسكره

" لما كان نازلا ببلد حاني ورد عليه علم الدين سنجر المعروف بقصب السكر رسولا من الملك المسعود - صاحب آمد - برسالة تتضمن الطاعة، وزيّن له قصد الرُّوم، وطمّعه في الاستيلاء عليها، وهو متى استظهر ببلد الرُّوم واستند إلى قفجاق هابه التتر " " وأن السلطان متى عزم على ذلك " خرج " بنفسه، وأمده بأربعة آلاف فارس ". فعدل عن المسير إلى إصبهان، وعدل إلى ناحية آمد، ونزل قريبا منا في خامس عشر شوال من سنة ثمان وعشرين وستمائة.

وشرب تلك الليلة، " فأتاه في أثناء الليل تُركماني وقال: إني رأيت بمنزلتك التي كنت بها أمس نازلا عسكرا زيهم غير زيّك بخيل أكثرها شهبٌ. فكذبه وقال: هذه حيلة من لا يختار أن تتوسط بلاده. فلم تنقضِ ليلته تلك، حتى أحاط به عسكرُ التتار مُصبحين، وهو في خُماره:

فَمسّاهُمْ وفُرشُهُمُ حريرٌ ... وصَبّحُهُمْ وفُرشُهُمُ تُرابُ

وَمَنْ في كَفِّهِ مِنْهم قناةٌ ... كمَنْ في كفِّهِ خضابُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015