وكان له أخٌ صغيرٌ، لقبه قطب الدين، واسمه أرسلان، فرتَّبه النِّظام مكان أخيه في الملك، وليس له منه إلا الاسم، والحكم للنِّظام وللؤلؤ، فبقي كذلك إلى سنة إحدى وست مائة. فمرض نِظام الدين أَلبقش فأتاه قطب الدين يعوده. فلما خرج من عنده خرج معه لؤلؤٌ فضربه قطب الدين بالسكين فقتله، ثم دخل إلى النظام، وبيده السكين، فقتله أيضا، وخرج وحده، ومعه خادمٌ له وألقى الرأسين إلى الأجناد، وكانوا كلهم قد أنشأهم النِّظام ولؤلؤٌ، فأذعنوا له بالطاعة. فلما تمكّن أخرج من أراد، وترك من أراد، واستولى على ماردين، والبارعيّة، والصّور وأعمالها ". ولم يزل إلى أن تُوفي في سنة ثمانين وخمسمائة.
وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إذا ذاك مقيما بحماة، عازما على قصد الموصل، فلما وصل إلى حلب خرج أخوه الملك العادل من حلب لتلقيه، ثم تواترت عليه كتب مظفر الدين كوكُبُري - صاحب إربل - تحُثُه على قصد الموصل. فعبر صلاح الدين الفُرات وقبض على مظفر الدين كوكبري، وكان إذ ذاك صاحب حرّان وسروج وسميساط، ثم رضي عنه وأطلقه، وأعاد إليه بلاده.
وتقسم فكر صلاح " الدين " بين قصد خِلاط والموصل فرجحوا جماعةٌ صفد خِلاط فسار إليها، فوصل إلى ميافارقين فوصله كتابٌ من ناصر الدين محمد ابن أسد الدين شيركوه يستأذنه في الوصول إليه، فأذِن له، فأتاه وقال له: الرأي أن نبتدئ بحصار ميافارقين وفتْحها.
من هناك افترقت ميافارقين فإنها لم تزل مجموعة إلى آمد بيد من وليها.
" ولما سار صلاح الدين قاصدا خِلاط جعل طريقه على ميافارقين وطمع في ملكها، لوفاة صاحبها قطب الدين - صاحب ماردين - فلما نازلها رآها مشحونة بالرجال، وبها زوجة قطب الدين - وهي ابنة قرا أرسلان وأُخت نور الدين محمد - فحصرها مدة.
وكانت زوجة قطب الدين تُحرضُ الناس على القتال، فلم يصل الملك الناصر إلى ما يريد منها، فعدل عن الحرب إلى إعمال الحيلة، فراسل زوجة قطب الدين وقال لها: إنَّ أسد الدين يرنقش قد مال إلينا، ورغب في تسليم البلد، ونحن فنرعى حق أخيك نور الدين فيك بعد وفاته. ونريد أن يكون لك في هذا الأمر نصيبٌ، ونُزوج بناتك بأولادي، وتكون ميافارقين وغيرها لك، وترك مَنْ أرسِلَ إلى أسد الدين يقول له: إن الخاتون قد مالت إلى الانقياد إلى السُّلطان وأن مَنْ بخِلاط قد كاتبوه ليسلموها إليه، فخذ لنفسك!!.
واتفق أنه وصل في ذلك الوقت رسولٌ من خِلاط إلى صلاح الدين يبذلون له الطاعة، فأمره صلاح الدين فدخل إلى ميافارقين واجتمع بأسد الدين وقال: أنت عمّنْ تقاتل؟ وأنا قد جئت في تسليم خِلاط إلى صلاح الدين. فأسقط في يده، وضعُفت نفسه، فأرسل واقترح إقطاعا ومالا، فأُجيب إلى ذلك.
وسلم البلد في جمادى الأولى من سنة سبع وثمانين وعقد لإحدى بناتها على ولده الملك المُعزِّ وأقرَّ بيدها قلعة الهتّاخ.
وولي ميافارقين مملوكه سُنقُر الخلاطي.
ذكر ملك تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أخي صلاح الدين الملك الناصر ميافارقين
ولم تزل ميافارقين بيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أقطعها لتقي الدين عمر ابن شاهنشاه فيما كان أقطعه مما كان بيد مظفر الدين كُكبري - صاحب إربل - فمضى إليها، وأقام بها إلى أن تُوفي في تاسع عشر شهر رمضان من السنة.
فأقطعها مع الشرق بأسره ولاية الملك العادل.
وتُوفي صلاح الدين في سنة تسع وثمانين، والبلاد بيد أخيه الملك العادل على حالها.
ولم تزل في يد نواب الملك العادل إلى أن دخلت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة - وكان الملك العادل إذ ذاك " عند بُحيرة قَدَس - بحمص - فعين لولده الملك الكامل مصر، ولولده الملك الأشرف موسى حرَّان والرُّها وسروج وجميع ماله بالشرق، خلا ميافارقين فإنها عُينت لولده الملك الأوحد نجم الدين أيوب، فلم تزل بيده إلى أن ملك خِلاط في سنة أربع وستمائة في جمادى الأولى منها. فاستمرت بيده مع خِلاط إلى سنة تسع وست مائة فمرِض.