قد تقدم القول بأن تاج الدولة تتش لما ملك ميافارقين رتب فيها غلامه طغتكين وجعله أتابكا لولده شمس الملوك دقاق. فلما عزم تاج الدولة على لقاء ابن أخيه بكياروق في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، استدعى طغتكين فحضر المصاف التي قتل فيها تاج الدولة تتش. وبقي شمس الملوك دقاق مقيما بميافارقين مع الأمير شمس الدولة الياس - المقدم ذكه - ولم يزل شمس الملوك دقاق مقيما بميافارقين إلى أن بلغه قتل والده، وأن أخاه رضوان عاد من عانة وطلب حلب فركب من ميافارقين وقصد أخاه بحلب، وأقام عنده مدة ثم توجه إلى دمشق فملكها واستقل بملكها.
وأما ظهير الدين طغتكين فإنه كان قد أسر في جملة من أسر، فأحسن التدبير إلى أن تخلص ووصل إلى دمشق إلى عند شمس الملوك دقاق فأحسن إليه، وقدمه على عساكره وبقي عنده.
وأما شمس الملوك دُقاق فإنه أقام بدمشق إلى أن رتب أحوالها ثم عاد إلى ميافارقين فرتب أحوالها وكان معه سكمان بن أرتق.
وكان شمس الدولة الياس قد أطمع نفسه بملكها، وتسلمها، ورتب فيها من قبله من يحفظها. وعاد في سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة. وحضر إلى خدمته أمراء ديار بكر منهم الأمير سكمان بن أرتق، صاحب حصن كيفا وماردين، والسبع الأحمر وكان له اسعر، وحسام الدولة التمشكين صاحب أرزن وبدليس، والأمير إبراهيم وكان له آمد، والأمير سباروخ وكان له حاني، وكان معه الوزير محمد الأعجمي - من أهل دوين -.
ورتب الملك دقاق بميافارقين الوزير محمدا بالقصر. وحاجيه يغمر ببرج الملك، وسار إلى دمشق. فتزوج الوزير بحطانة وبقي بميافارقين.
وفي سنة سبع وتسعين وأربع مائة توفي شمس الملوك دقاق بن تاج الدولة تتش في اليوم الثاني عشر من المحرم منها وولي ولده تاج الدولة تتش، وكان عمره يومئذ اثنتي عشرة سنة. وتوليّ أتابكيته ظهير الدين طغتكين. ثم إن ظهير الدين هذا رأى من المصلحة إحضار أرتاش - أخي شمس الملوك - وكان محبوسا ببعلبك، فأحضره وولاه دمشق لخمس بقين من ذي الحجة من سنة سبع وتسعين.
ودخلت سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، والوزير محمد مقيم بميافارقين. فلما تحقق موت شمس الملوك كاتب السلطان قليج أرسلان بن سليمان ن قطرمش السلجوق - صاحب بلاد الروم يومئذ - فوصل إليه في سابع عشري جمادى الأولى من سنة ثمان وتسعين وأربع مائة وملكها، واستوزر الوزير محمدا وأعطاه أبلستين إقطاعا، وأخذه معه. ووليّ بميافارقين الأتابك السليماني - غلام أبيه سليمان - وتوجه إلى الموصل وصافّ جاولي سقاوه مملوك السلطان محمد وعاد، وقد كسر، وغرق في الخابور سنة تسع وتسعين وأربع مائة وحمل تابوته إلى ميافارقن، ودفن بالقبة التي بنيت له وتعرف بقبة السلطان مسعود.
واستقل خمرتاش بملك ميافارقين، وظلم هو وزوجته، وأجحف بالناس وصادرهم.
وفيها نزل الأمير سقمان القطبي - صاحب أرمينية - واجتمع بجكرمش - صاحب الموصل - وسار إلى حران ولقيا الفرنج وكسراهم كسرة عظيمة، وهي وقعة البليخ.
وذكر ابن الأثير أن هذه الوقائع كانت في سنة خمسمائة.
" وفي سنة اثنتين وخمس مائة نزل سقمان القطبي على ميافارقين وحاصرها وضايقها، ثم أخذها بعد حصار تسعة أشهر في شوال منها ودخلها. وأحسن إلى أهلها وأزال عنهم الكذب، والمؤن، والأعشار، وحط عنهم أشياء كثيرة وأجراهم على أملاكهم، وأزال عنهم ماكان قد أحدثه المحتسب وأتابك ووليّ فيها مملوكه قزاغلي بالقصير، وولي البلد أثير الدولة أبا الفتوح فجرت أحوال الناس على السداد ".
ولم تزل نوابه بميافارقين إلى أن توجه إلى خدمة ظهير الدين طغتكين وصاحب الموصل واجتمعوا على حصار تل باش. ثم عادوا فمات عند عوده في سنة أربع وخمس مائة.
ولم يزل قزاغلي على ميافارقين إلى سنة ست وخمس مائة فوصل الأمير إبراهيم بن سقمان والخاتون - والدته - إلى ميافارقين. فعزل قزاغلي وولي السديد الوزارة. ووليّ المعين - أخا السديد - ميافارقين.
وفي سنة سبع وخمس مائة قتل الأمير إبراهيم بن سقمان القطبي وزيره السديد أخا المعين في ولاية منازجرد فأظهر المعين العصيان بميافارقين وأستبد بها.