وكان أخوه السديد أبو الغنائم تخلف بميافارقين فقبض عليه طغتكين. وأقام الوزير بالهتاخ مدة فبلغ السلطان ذلك فنفذ يتوعده، فخرج من الهتاخ وقصد خرت برت وكانت لابن جبق فأقام عند أُخت جبق. فنفذ السلطان إلى أخت جبق وقال: تسلميه إليَّ وإلا ضربت عنق ابن أخيك - وكان معه في العسكر - فسلمته وولده الأكبر أبا القاسم وبقي عندها ولده أبو سعد، وابن أخيه أبو عبد الله محمد، وقالت: هؤلاء ما جنوا ولا أساءوا!! فلما وصل الوزير وولده إلى السلطان ضرب رقابهما بسميساط في جمادى الآخرة، من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وحملت الرؤوس إلى ميافارقين وأُخرج أخوه السديد أبو الغنائم يوم الخميس غرة رجب، فجاءه رجل بسطل فيه ماء وقال له: اشرب فقال: أنا صائم، ولا ألقى الله تعالى إلا صائما فضُربت رقبته، وطيف برأسه مع الرؤوس في المدينة. ثم دفنت الجثة والرؤوس في المقابر التي يدفن فيها القتلى. وبقي النور ينزل على قبره أياما.
وخرج ولده أبو سعد وولد أخيه من خرت برت وسارا إلى بغداد وأقاما هناك.
وخدم أبو عبد الله للمستظهر ولُقب بسديد الدولة - لقب أبيه - ونفذ في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة من حمل الجثة والرؤوس إلى بغداد فدفنهم هناك في مشهد كان بناه لهم بباب التبن، عند موسى ابن جعفر - عليهما السلام - وبقي في خدمة المستظهر إلى سنة سبع وخمس مائة وولي ديوان الإنشاء، ولُقب بمؤيد الدين وندب إلى وزارة المسترشد والمقتفي فلم يجب.
وكانت له المنزلة العالية والمكانة الرفيعة عند الخلفاء.
لما قتل السلطان تاج الدولة الوزير رحل طالبا أذربيجان لمصاف ابن أخيه شهاب الدولة بك ياروق ومعه العساكر وأمراء الشام. فالفصل عنه آق سنقر وبزان وانهزما. فعاد في طلبهما، فظفر بهما، وقال لهما: ما صنعت معكما من القبيح؟! كان لي دمشق، ولكما حلب والرها. وضرب رقابهما - وكانا مملوكين للسلطان ملكشاه -.
وسار يطلب أبن أخيه بك ياروق. إلى أن التقا به وتصافا. فلما التقى الجمعان عارضه مملوك لبزان في المعمعة، فضربه بسهم من وراءه خرج من صدره فمات، وذلك في سنة تسعين، وقيل: الأصح أنه كان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة في صفر منها، وكسر العسكر.
واستقر بكياروق في السلطنة واستبد بها.
وبقي الشام وديار بكر في يد ولدي تاج الدولة. الملكين: الملك رضوان - ملك حلب -، والملك دقاق - ملك دمشق -.
وكان طغتكين بميافارقين فولى به أميرا يسمى إلياس ويلقب بشمس الدولة وسار إلى دمشق وجعل أتابكا للملك دقاق. وبقي إلياس بميافارقين. واستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن صافي - وكان صافي مملوكا لبني نباتا - وكان ولده محمد على البيع في العرصة فولد له أبو الحسن من بنت أبن خلف وجعل جابيا في الوقف بين يدي الشيخ أبي سالم يحيى بن المحور. ثم خدم القاضي أبا بكر بن صدقة. وتوصل إلى الحسبة ثم وزر للأمير إلياس وكان ثقيل الوطأة كثير الجور والظلم والمصادرات والتواصل إلى قلع بيوت الناس ومضارهم ولقد أخرب بيوت أكثر أهل ميافارقين.
وفي سنة ست وثمانين مات الأمير ناصر الدولة منصور بالجزيرة وحمل إلى آمد، ودفن بها في قبة على رأس القصر مطلة على دجلة والسلسلة كانت بنتها زوجته ست الناس - بنت عنه سعيد - ودفنها بها جميعا.
وكانت آخر ولاية بني مروان. فإنهم ولوا في سنة ثمانين وثلاث مئة من أول ولاية الأمير أبي علي إلى أن ملك ابن جهير في سنة تسع وسبعين. وعاد ناصر الدولة ملك مدة خمسة أشهر فتكملت ولايتهم مائة سنة كاملة.
وانقرضت دولتهم، وزال ملكهم - فسبحان من لا يزول ملكه ولا يبيد سلطانه -
ذكر ميافاقين
ذكر ولاية شمس الملوك دقاق ميافارقين استقلالا بعد وفاة أبيه تاج الدولة تتش